قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

تحليل الآية الخامسة من سورة الفاتحة


السيد أبو القاسم الخوئي ..
اللغة
العبادة :
في اللغة تأتي لأحد معان ثلاثة :


الأول : الطاعة ، ومنه قوله تعالى :
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس : 60] .
فإن عبادة الشيطان المنهي عنها في الآية المباركة إطاعته.


الثاني : الخضوع والتذلل ، ومنه قوله تعالى :
{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون : 47] .
أي خاضعون متذللون ، ومنه أيضاً إطلاق المعبد على الطريق الذي يكثر المرور عليه.


الثالث : التأله ، ومنه قوله تعالى :
{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ } [الرعد : 36] .
وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العرف العام إذا أطلق دون قرينة.
والعبد : الإنسان وإن كان حرًّا ، لأنه مربوب لبارئه ، وخاضع له في وجوده وجميع شؤونه ، وإن تمرد عن أوامره ونواهيه.
والعبد : الرقيق لأنه مملوك وسلطانه بيد مالكه ، وقد يتوسع في لفظ العبد فيطلق على من يكثر اهتمامه بشيء حتى لا ينظر إلا إليه ، ومنه قول أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم وإذا محصوا بالبلاء قل الديانون (1).
وقد يطلق العبد على المطيع الخاضع ، كما في قوله تعالى :
{أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء : 22] .
أي جعلتهم خاضعين لا يتجاوزون عن أمرك ونهيك.


الاستعانة :
طلب المعونة ، تتعدى بنفسها وبالباء ، يقال استعنته واستعنت به أي طلبت منه أن يكون عونًا وظهيرًا لي في أمري.


الإعراب
إياك : في كلا الموردين مفعول قدم على الفعل لإفادة الحصر ، وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب. والسر في ذلك أحد أمرين :
الأول : أن سابق هذه الآية الكريمة قد دل على أن الله سبحانه هو المالك لجميع الموجودات ، والمربي لها والقائم بشؤونها ، وهذا يقتضي أن تكون الأشياء كلها حاضرة لديه تعالى ، وأن يكون ـ سبحانه ـ محيطًا بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو بالمعصية ، واقتضى ذلك أن يظهر العبد حضوره بين يدي ربه ويخاطبه.
الثاني : أن حقيقة العبادة خضوع العبد لربه بما أنه ربه والقائم بأمره والربوبية تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه ، وتدبير شؤونه. وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الغنسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في عبادته تقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة ، فلهذين الأمرين عدل السياق من الغيبة إلى الخطاب فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه.
التفسير


بعد أن مجد الله نفسه بالآيات المتقدمة لقن عباده أن يتلوا هذه الآية الكريمة وأن يعترفوا بمدلولها وبمغزاها ، فهم لا يعبدون إلا الله ، ولا يستعينون إلا به ، فإن ما سوى الله من الموجودات فقير في ذاته ، عاجز في نفسه ، بل هو لا شيء بحت ، إلا أن تشمله العناية الالهية ، ومن هذا شأنه لا يستحق أن يعبد أو يستعان ، والممكنات كلها ـ وإن اختلفت مراتبها بالكمال والنقص ـ تشترك في صفة العجز اللازمة للإمكان ، وفي أن جميعها تحت حكم الله وإرادته :
{ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 54]. {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [النور : 42] .
من ذا الذي يعارضه في سلطانه وينازعه في أمره وحكمه؟ وهو القابض والباسط ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فالمؤمن لا يعبد غير الله ، ولا يستعين إلا به ، فإن غير الله ـ أيا كان ـ محتاج إلى الله في جميع شؤونه وأطواره والمعبود لا بد وأن يكون غنيًّا ، وكيف يعبد الفقير فقيرًا مثله؟!.
وعلى الجملة : الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحدًا سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرك بالله وحكم في سلطانه غيره :
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء : 23] .
_______________________


1 ـ البحار باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية ج 10 ص 189.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد