قرآنيات

النسخ في القرآن (1)


السيد رياض الحكيم ..

النسخ في اللغة يستعمل في عدة معان، منها..
1) الإزالة(1)، مثل: ﴿فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾(2).
2) نقل الشيء وتحويله مع بقائه، فعن السجستاني: النسخ أن تحوّل ما في الخلية من العسل والنحل في أخرى(3).
وأما في الاصطلاح فـ "هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية أم الوضعية، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم غيرها من الأمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنه شارع"(4).
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن النسخ في القرآن بل في الشريعة بشكل عام لا يستند إلى انكشاف أمر مجهول لله سبحانه وتعالى، بل يرجع إلى مجرد نقض دلالة الدليل السابق أو ظهور حالة في الدوام.
وهذا نظير معنى البداء الذي ورد في العديد من النصوص حيث لا يراد منه أنّه ينكشف لله تعالى وجه الصلاح والفساد في الشيء، لأنّ الله سبحانه عالم بالخفيات وبحقائق الأمور كلّها ولا تخفى عليه خافية، بل المراد به "ظهور أمر أو أجل كان محتماً عنده تعالى من الأزل وخافياً على الناس ثم بدا لهم أي ظهرت لهم الحقيقة"(5).
والفرق بين النسخ والبداء المذكور هو أن النسخ يكون في الأحكام أو في آيات القرآن، بينما البداء في التكوينيات أو غيرها من الأمور الاعتبارية غير الفقهية.
والفرق بين النسخ والتخصيص: أن النسخ تخصيص أزماني، والثاني تخصيص أفرادي.
وعلى كل حال فقد أكدت المصادر الإسلامية، ومنها القرآن الكريم نفسه تحقق النسخ في القرآن قال تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(6).
هذا، وقد ذكروا للنسخ في القرآن ثلاثة أقسام..
الأول: نسخ الحكم والتلاوة
بمعنى أن تنزل آية بمضمون ينافي مضمون آية أخرى فتحذف الآية الأولى وينتهي أمد مضمونها.
وقد أثبت كثير من أبناء العامة أو أكثرهم هذا القسم معتمدين على أحاديث تضمنتها كتبهم المعتمدة..
منها: ما أسندوا إلى عائشة أنّها قالت: "كان فيما أُنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرّمن" ثم نسخن "بخمس معلومات" قالت: وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهن فيما يقرأ من القرآن"(7).
ونلاحظ أن مضمون هذه الرواية - الصحيحة عندهم - غريب جداً، حيث يفترض بقاء الآية المزعومة إلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنتسائل: أنّها كيف اختفت؟ ومن أخفاها بعده(8)؟
وقد ادّعى الزرقاني إجماع القائلين بالنسخ على وقوع هذا القسم، ويقصد بهم خصوص (أهل السنّة). متجاهلاً تماماً آراء العلماء من شيعة أهل البيت(عليهم السلام) حيث أنكروا هذا النوع من النسخ، ووافقهم في ذلك بعض العامة كالسرخسي والجزيري(9).


1- مجمع البحرين: 2 302.
2- سورة الحج: 52.
3- معجم مقاييس اللغة: 5 425.
4- البيان في تفسير القرآن: 296.
5- تلخيص التمهيد: 1 414. ولمزيد من الإطلاع حول البداء يراجع البيان في تفسير القرآن من صفحة 407.
6- سورة البقرة: 106.
7- صحيح مسلم بشرح النووي: 10 29. وقد حكي عن السرخسي ان الشافعي صحح الحديث المذكور. وقد حاول النووي توجيهه بأن بعض الناس كانوا يقرؤونها جهلاً بالنسخ.
8- ما أدري كم كان حجم التهم على شيعة آل البيت(عليهم السلام)، لو كانت أمثال هذه الرواية في مصادرهم حتى إذا لم تكن ذات قيمة علمية!
9- يراجع اصول السرخسي:2 78. والفقه على المذاهب الأربعة: 3 257.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد