الشيخ محمد هادي معرفة ..
.... أسلوب الترجمة الذي نتوخاه، وهو: أن يعمد المترجم إلى آية آية من القرآن، وفق الترتيب الموجود، فيستجيد - أولًا - فهم مضامينها عن دقة وإمعان، بما فيها من دلالات أصلية ودلالات تبعية لفظية، دون الدلالات التبعية العقلية، إذ التصدي لهذه الأخيرة شأن التفسير دون الترجمة.
فيفرغ المستفاد من كل آية، في قالب لفظي من اللغة المترجم إليها ويتحرى الكلمات التي تفي بتأدية المعاني التي كانت ألفاظ الأصل تؤديها، وفاء كاملًا حتى في الدلالات التبعية اللفظية مهما أمكن، وإلا فيحاول تأديتها أيضًا ولو بمعونة قرائن، لينعكس المعنى في الترجمة كما هو في الأصل كما يحاول - مبلغ جهده - أن لا يصطدم القالب اللفظي المشابه للأصل بشي من التحوير أو التحريف.
وهذه الكيفية من الترجمة - التي تحافظ على سلامة المعنى بالدرجة الأولى قد تستدعي تبديلًا في مواضع بعض الألفاظ والتعابير - من تقديم أوتاخير – أو تغيير في روابط كلامية معمولة في الأصل، وفي الترجمة على سواء.
كما قد تستدعي زيادة لفظة في التعبير، لغرض الوفاء بأصل المراد تمامًا الأمر الذي لا بأس به، ما دامت الغاية هي المحافظة على سلامة المعنى.
غير أن الأولى أن يضع اللفظ المزيد بين قوسين، فلا يلتبس على القارئ هذه الزيادة مع ألفاظ الأصل.
وبالجملة فالواجب على المترجم - ترجمة معنوية صحيحة - أن يتابع الخطوات التالية:
1- فهم المعنى الجملي فهمًا جيدًا دقيقًا، والتأكد من ذلك.
2- تحليل جملة ألفاظ الأصل إلى كلماتها وروابطها الموجودة، وفصل بعضها عن بعض، ليعرف ما لكل من معنى ومفاد استقلالي أو رابطي في لغة الأصل، والتدقيق فيما إذا كان للوضع التركيبي الخاص معنى زائد على ما للألفاظ من معاني، ويتأكد ذلك عن إمعان.
3- التحري لكلمات وروابط من اللغة المترجم إليها، تشاكل الكلمات والروابط الأصل، تشاكلًا في الإفادة والمعاني، إن حقيقة أو مجازًا.
4- تركيب هذه الكلمات والألفاظ تركيبًا صحيحًا يتوافق مع أدب اللغة المترجم إليها، أدبًا عاليًا، ومراعيًا ترتيب الأصل مهما أمكن.
5- إفراز الألفاظ والكلمات الزائدة، التي لا تقابلها كلمات وألفاظ في الأصل، وإنما زيدت في الترجمة لغرض الإيفاء بتمام المعنى، فيضعها - مثلًا - بين قوسين لكن يمسك عن تكرار ذلك كثيرًا في كلام واحد، لأنه يمل، وقد يسبب تشويش فهم المعاني.
6- وأخيرًا مقابلة الترجمة مع الأصل في حضور هيئة ناظرة، تحكم بالمطابقة في الآراء والإيفاء.
أما الشروط التي يجب توفرها في المترجم أو المترجمين، لتقع الترجمة مأمونة عن الخطأ والخلل، فهي كما يلي:
1- أن يكون المترجم مضطلعًا بكلتا اللغتين: لغة الأصل واللغة المترجم إليها عارفًا بدأبهما والمزايا الكلامية التي تبنتها كلتا اللغتين، معرفة كاملة.
2- أن يتناول المعنى المستفاد من كل آية، بمعونة التفاسير المعتمدة الموثوق بها، ولا يقتنع بما استظهره من الآية حسب فهمه العادي، وحسب معرفة أوضاع اللغة فحسب، إذ قد يكون دلائل وشواهد على إرادة غير الظاهر قد خفيت عليه، لولا مراجعته للمصادر التفسيرية المعتبرة.
3- أن لا يحمل ميلًا إلى عقيدة بذاتها، أو انحيازًا إلى مذهب بخصوصه، لأنه حينذاك قد تجرفه رواسبه الذهنية التقليدية إلى منعطفات السبل الضالة، فتكون تلك ترجمة لعقيدة، وليست ترجمة لمعاني القرآن.
4- أن يترك الألفاظ المتشابهة كما هي، ويكتفي بتبديلها إلى مرادفاتها من تلك اللغة، فلا يتعرض لشرحها وبسط معانيها، فإن هذا الأخير من مهمة التفسير فقط.
5- أن يترك فواتح السور على حالها، لأنها رموز يجب أن تبقى بألفاظها من غير تبديل ولا تفسير.
6- أن يترك استعمال المصطلحات العلمية أو الفنية في الترجمة، لأن مهمة المترجم إفراغ المعاني المستفادة إفراغة لغوية بحتة.
7- أن لا يتعرض للآراء والنظريات العلمية، فلا يترجم الكلمات الواردة في القرآن بمعاني اكتشفها العلم، بل يترجمها حسب الاستفادة اللغوية، لتكون التأدية لغوية بحتة.
تلك شروط خاصة يجب توفرها في كل مترجم يقوم بترجمة القرآن الكريم وهناك شروط عامة يجب مراعاتها في ترجمة القرآن ترجمة رسمية، معترفا بها لدى جامعة المسلمين العامة، هي:
8- أن تقوم هيئة أو لجنة متشكلة من علماء صالحين لذلك، ومعروفين بسلامة الفكر والنظر والاجتهاد، لأن الترجمة الفردية كالتفاسير الفردية غير مأمونة عن الخطأ والاشتباه كثيرًا، وعلى الأقل يكون العمل الجماعي أبعد من الزلل مما يكون عملًا فرديًّا، ولذلك يكون آمن وأحوط بالنسبة إلى كتاب اللّه العزيز الحميد.
وهذه الهيئة يجب أن تحمل تأييدًا من قبل مقامات رسمية إسلامية، إما حكومات عادلة أو مراجع دينية عالية، ذلك لكي يتنفذ القرار تنفيذًا رسميًّا قاطعًا.
9- أن يشترك مع اللجنة شخصية أو شخصيات معروفة من اللغة المترجم إليها، لغرض التأكد من صحة الترجمة أولًا، وليطمئن إليها أصحاب تلك اللغة.
10- والشرط الأخير - المتمم للعشر - أن توضع الترجمة مع الأصل، مصحوبًا معها، فلا يقدم إلى مختلف الأقوام والملل، تراجم مجردة عن النص العربي الأصل.
وذلك لغرض خطير، هو ان لا يلتبس على سائر الملل، فيحسبوا من الترجمة قرآناهو كتاب المسلمين، لا، بل هي ترجمة محضة وليست قرآنا، وانما القرآن هو الاصل، وكانت الترجمة إلى جنبه توضيحا وتبيينا لمعانيه فحسب.
وبذلك نكون قد امننا على القرآن ضياعه، فلا يضيع كما ضاعت التوراة والانجيل من قبل، بتجريد تراجمهماعن النص الأصل، الأمر الذي يجب أن لا يتكرر بشأن هذا الكتاب السماوي الخالد ﴿إنا نحن نزلنا الذكروانا له لحافظون﴾ (1).
ــ
1- الحجر/9.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام
تفسير القرآن الكريم بمعناه اللّغوي
البسملة