السيّد محمّد حسين الطباطبائي
قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾الأنبياء:35.
لفظُ النّفس - على ما يعطيه التأمّل في موارد استعماله - أصلٌ معناه هو معنى ما أُضيف إليه؛ فنفس الشيء معناه الشيء، ونفس الإنسان معناه هو الإنسان، ونفس الحجر معناه هو الحجر.
فلو قُطع عن الإضافة لم يكن له معنًى محصّل، وعلى هذا المعنى، يُستعمَل للتأكيد اللّفظيّ، كقولنا: جاءني زيدٌ نفسه، أو لإفادة معناه، كقولنا: جاءني نفس زيد.
وبهذا المعنى يطلق على كلّ شيءٍ، حتّى عليه تعالى كما قال: ﴿..كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾ الأنعام:12,
وقال: ﴿..وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ..﴾ آل عمران:30.
وقال: ﴿..تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ..﴾ المائدة:116.
ثمّ شاع استعمال لفظها في شخص الإنسان خاصّة، وهو الموجود المركّب من روحٍ وبدنٍ، فصار ذا معنى في نفسه، وإن قُطع عن الإضافة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا..﴾ الأعراف:189، أي من شخصٍ إنسانيٍّ واحد.
وقال: ﴿..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة:32، أي مَن قتل إنساناً ومن أحيا إنساناً.
وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى: ﴿..كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِها..﴾ النحل:111، فالنفس الأولى بالمعنى الثاني، والثانية بالمعنى الأوّل.
ثمّ استعملوها في الروح الإنساني؛ لما أنّ الحياة والعلم والقدرة التي بها قوام الإنسان قائمةٌ بها ومنه، قال تعالى: ﴿..أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ..﴾ الأنعام:93.
ولم يطّرد هذان الإطلاقان - أعني الثاني والثالث - في غير الإنسان، كالنبات وسائر الحيوان إلّا بحسب الاصطلاح العلميّ... نعم ربّما سُمّي الدم نفساً لأنّ للحياة توقّفاً عليها، ومنه النفس السائلة.
وكذا لا يطلق النفس في اللّغة بأحد الإطلاقين الثاني والثالث على المَلَك والجنّ... وهذا ما يتحصّل من معنى النفس بحسب عرف اللغة.
وأمّا الموت، فهو فقد الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عمّا من شأنه أن يتّصف بها... وإمّا أنّه مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلّقها التدبيري كما تعرّفه الأبحاث العقليّة، أو أنّه الانتقال من دارٍ إلى دارٍ كما في الحديث النبويّ، فهو معنى كشف عنه العقل أو النقل غير ما استقرّ عليه الاستعمال.
ومن المعلوم أنّ الموت بالمعنى الذي ذُكر، إنّما يتّصف به الإنسان المُركّب من الروح والبدن باعتبار بدنه، فهو الذي يتّصف بفقدان الحياة بعد وجدانه، وأمّا الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتّصافه بالموت... وأما قوله تعالى: ﴿..كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلّا وَجْهُهُ..﴾ القصص:88، وقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ..﴾ الزمر:68... فالهلاكُ والصَّعق غير الموت، وإن انطبقا عليه أحياناً.
فقد تبيّن ممّا قدمناه:
أوّلاً: أنّ المراد بالنفس في قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ..﴾، الإنسان - وهو الاستعمال الثاني من استعمالاتها الثلاث - دون الروح الإنسانيّ إذ لم يعهد نسبة الموت إلى الروح في كلامه تعالى حتى تُحمل عليه.
وثانياً: أنّ الآية إنّما تعمّ الإنسان لا غير، كالملك والجنّ وسائر الحيوان، وإن كان بعضها ممّا يتّصف بالموت كالجنّ والحيوان، ومن القرينة على اختصاص الآية بالإنسان، قوله قبله: ﴿ومَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ..﴾ الأنبياء:34، وقوله بعده: ﴿..وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً..﴾ الأنبياء:35.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع