الشيخ جعفر السبحاني
إذا كانت نسبة الحسنة والسيئة (الخير والشر) إلى اللّه كما في الآية 78 من سورة النساء، فكيف تفسّر الآيات التي تنسب الحسنات إلى اللّه والسيئات إلى الإنسان نفسه، كالآية 79، من نفس السورة؟
لأنّ كلّ أنواع الشرور والبلايا حتى الأفاعي والعقارب إذا نظرنا إليها من الزاوية الوجودية، أي من كونها ظاهرة اكتسبت وجودها من اللّه سبحانه، فإنّها حينئذ تكون جميلة وحسنة. وإنّما تتّصف هذه الموجودات بالسوء إذا كانت هناك نسبة بينها وبين حياة الإنسان وكانت غير ملائمة لحياته، فحينئذ نقول: إنّ الأفعى والعقرب بلاء وشرّ لحياة الإنسان.
فإذا كانت الآية الأُولى تنسب كلّ أنواع النصر والهزيمة إلى اللّه وتنسب هطول الأمطار والسيول كذلك إلى اللّه سبحانه، فمن جهة كون الآية تركّز على أنّ كلّ ظاهرة باعتبارها وجوداً فإنّها تكتسب وبصورة قهرية حظّاً من الحسن والجمال من جانب اللّه سبحانه، ولذلك لا يمكن في هذا الظرف أن توصف بكونها ظاهرة سيئة ـ وإذا كان القرآن الكريم قد وصفها في الآية الأُولى بكونها سيّئة، فما ذلك إلاّ لكون القرآن يتكلّم بلغة المخاطبين ـ وذلك لأنّه مادام لم توجد مقايسة ونسبة بين تلك الظاهرة وبين الإنسان فلا يصحّ وصفها بالسوء، بل تكون وجوداً حسناً وجميلاً، ولذلك نسبت الآية الأُولى الجميع إلى اللّه سبحانه.
نعم تتّصف بالسوء إذا كان هناك نسبة بينها وبين حياة الإنسان فقدرة العدو مثلاً سيّئة ومضرة بالقياس إلى الطرف الآخر، والمطر مضر وشرّ بالقياس إلى تخريب المنازل، ففي مثل هذه الحالة فقط يمكن أن توصف هذه الظواهر بالشرّ والسوء وفي هذه الصورة بالذات يقول الناس: «لقد نزل البلاء».
في مثل تلك الصورة تنسب السيّئة إلى الإنسان نفسه ويقال:
(وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) لماذا؟ لأنّ في مثل تلك الظروف لا يمكن تجاهل تأثير أعمال الإنسان السيّئة وماضيه وتاريخه المظلم وتقاعسه في أداء واجباته، وذلك لأنّ جميع مظاهر الانهزام والانكسار والبلايا معلولات لتقصير وتقاعس الإنسان، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي.
فإنّ الشاب المدمن على الخمر ـ مثلاً ـ يجب بالبداهة أن ينتظر سلسلة من البلايا والمصائب والمحن، والأُمّة التي لا تبني السدود في وجه السيول يجب حتماً أن تنتظر الدمار والخراب، والبيوت التي لا تبنى على أساس مقاومة الزلازل يجب حتماً أن تنتظر الخراب والدمار على أثر الزلازل، إنّ مثل هذه المجتمعات التي تقصر في هذه الأُمور لابدّ أن تكون في معرض المصائب والمحن والمآسي، ولهذا قال اللّه تعالى في الآية الثانية: (وما أَصابك مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللّه وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ... ) .
لقد كان الأنبياء (عليهم السلام) يذمون من يتطير بهم ويتشاءم من وجودهم: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكم أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ... ) .( [1])
وهم بذلك يُشيرون إلى أنّ علّة المحن والمصائب كامنة في نفس العصاة والمنكوبين وهو أمرٌ ناشئ منهم ونابعٌ من أعمالهم أنفسهم.
وإذا ما وجدنا في آية أُخرى من القرآن الكريم قوله سبحانه: (...أَلا إِنّما طائرهُمْ عِنْدَ اللّه وَلكنَّ أَكثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون ) .( [2])
فلاشك أنّ المقصود في هذه الآية أنّ اللّه سبحانه عظيم وكبير في علمه ومعرفته بحيث لا يخفى عليه شيء من مصيركم وما تؤول إليه حياتكم.
إنّ النكتة الجديرة بالاهتمام هي: إنّ الآية الأُولى تصرح بأنّ مصير الإنسان ومستقبله مرهون به (طائركم معكم ) ، وذلك لأنّ أعمال الإنسان وأفعاله هي التي تصنع مصير الإنسان.
أمّا إذا كان الحديث عن علم اللّه وإحاطته بمستقبل وبمصير الإنسان نجد الآية الأُخرى تتحدث بلحن آخر وبطريقة مختلفة عن الأُولى حيث تعتبر أنّ علم اللّه محيط بمصير الإنسان ومستقبله، قال تعالى: (إِنّما طائركُمْ عِندَ اللّه ) .
إنّ القرآن الكريم يعتبر ـ وفي آيات أُخرى ـ حالات الإنسان وأعماله السابقة علّة لوقوعه في المحن والتقلّبات قال تعالى: (وَما أصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِما كَسَبَتْ أَيديكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثير ) .( [3])
وفي آية أُخرى يقول سبحانه: (...إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوم حتّى يُغَيِّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ... ) .( [4])
وكذلك الآية 53 من سورة الأنفال تتضمن معنى قريباً من هذا المعنى.( [5])
________________________________________
[1] . يس: 19.
[2] . الأعراف: 131.
[3] . الشورى: 30.
[4] . الرعد: 11.
[5] . منشور جاويد:2/313ـ 315.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان