"الرب، المالك، الخالق، الصاحب. والربّ المصلح للشيء يقال: رب فلان ضيعته إذا قام على إصلاحها، والرب : المصلح للشيء، والله جل ثناؤه الرب، لأنه مصلح أحوال خلقه. والراب، الذي يقوم على أمر الربيب". (1).
ويكتب الفيروزآبادي قائلاً: "رب كل شيء: مالكه ومستحقه وصاحبه... رب الأمر: أصلحه" (2).
وجاء في المنجد: "الرب: المالك، المصلح، السيد". (3). وما يشابه هذا المعنى في كتب اللغة والقواميس الأخرى.
هل للرب معان مختلفة؟
إن وظيفة كتب اللغة والقواميس هي ضبط موارد استعمال اللفظة، سواء أكان المستعمل فيه هو الذي وضع عليه اللفظة أم لا، وأما تعيين الأوضاع وتمييز الحقائق عن المجازات فخارج عما ترتئيه كتب اللغة. وهذا هو نقص ملحوظ ومشهود بوضوح في كتب اللغة ومعاجمها، إذ ما أكثر ما يجد الإنسان عدة معان متباينة ومتمايزة للفظة واحدة حتى أنه ليتصور - في أول وهلة - أن الواضع العربي جعل هذه اللفظة على عشرة معان في عشرة أوضاع، ولكن بعد التحقيق والدراسة يتبين أنه ليس لهذه اللفظة سوى معنى واحد لا غير، وأما بقية المعاني المذكورة فهي من شعب المعنى الأصلي.
ومن الصدف أن لفظة رب تعاني من هذا المصير حتى أن كاتبًا كالمودودي تصور أن لهذه اللفظة خمسة معان - في الأصل - وذكر لكل معنى من المعاني الخمسة شواهد من القرآن الكريم.
ولا شك في أن لفظة ربّ استعملت في الكتاب العزيز واللغة في الموارد التالية التي لا تكون إلا صورة موسعة ومصاديق متعددة لمعنى واحد لا أكثر.
وإليك هذه الموارد والمصاديق:
1 - التربية، مثل رب الولد، رباه.
2 - الإصلاح والرعاية مثل رب الضيعة.
3 - الحكومة والسياسة مثل فلان قد رب قومه أي ساسهم وجعلهم ينقادون له.
4 - المالك كما جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرب غنم أم رب إبل.
5 - الصاحب مثل قوله: رب الدار أو كما يقول القرآن الكريم: (فليعبدوا رب هذا البيت) (قريش - 3).
لا ريب أن هذه اللفظة قد استعملت في هذه الموارد وما يشابهها ولكن جميعها يرجع إلى معنى واحد أصيل، وما هذه المعاني سوى مصاديق وصور مختلفة لذلك المعنى الأصيل، وسوى تطبيقات متنوعة لذلك المفهوم الحقيقي الواحد، أعني: من فوض إليه أمر الشيء المربى من حيث الإصلاح والتدبير والتربية.
فإذا قيل لصاحب المزرعة إنه ربها، فلأجل أن إصلاح أمور المزرعة مرتبطة به وفي قبضته. وإذا أطلقنا على سائس القوم، صفة الرب، فلأن أمور أولئك القوم مفوض إليه فهو قائدهم، ومالك تدبيرهم ومنظم شؤونهم. وإذا أطلقنا على صاحب الدار ومالكه اسم الرب، فلأنه فوض إليه أمر تلك الدار وإدارتها والتصرف فيها كما يشاء.
فعلى هذا يكون المربي والمصلح والرئيس والمالك والصاحب وما يشابهها مصاديق وصور لمعنى واحد أصيل يوجد في كل هذه المعاني المذكورة، وينبغي أن لا نعتبرها معاني متمايزة ومختلفة للفظة الرب بل المعنى الحقيقي والأصيل للفظة هو: من بيده أمر التدبير والإدارة والتصرف، وهو مفهوم كلي ومتحقق في جميع المصاديق والموارد الخمسة المذكورة (أعني:التربية والإصلاح والحاكمية والمالكية والصاحبية).
فإذا أطلق يوسف الصديق - عليه السلام - لفظ الرب على عزيز مصر، حيث قال: (إنه ربي أحسن مثواي) (يوسف - 23). فلأجل أن يوسف تربى في بيت عزيز مصر وكان العزيز متكفلاً لتربيته وقائمًا بشؤونه. ولو وصف يوسف عزيز مصر بكونه ربًّا لمصاحبه في السجن فقال: (أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا) (يوسف - 41). فلأن عزيز مصر كان سيد مصر وزعيمها ومدبر أمورها ومتصرفًا في شؤونها ومالكًا لزمامها.
وإذا وصف القرآن اليهود والنصارى بأنهم اتخذوا أحبارهم أربابًا إذ يقول: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله) (التوبة - 31). فلأجل أنهم أعطوهم زمام التشريع واعتبروهم أصحاب سلطة وقدرة فيما يختص بالله. وإذا وصف الله نفسه بأنه (رب البيت) فلأن إليه أمور هذا البيت ماديها ومعنويها، ولاحق لأحد في التصرف فيه سواه.
وإذا وصف القرآن "الله" بأنه: (رب السماوات والأرض) (الصافات - 5). وأنه: (رب الشعرى) (النجم - 49). وما شابه ذلك ، فلأجل أنه تعالى مدبرها ومديرها والمتصرف فيها ومصلح شؤونها والقائم عليها. وبهذا البيان نكون قد كشفنا القناع عن المعنى الحقيقي للرب، الذي ورد في مواضع عديدة من الكتاب العزيز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقاييس اللغة: 2 / 381.
(2) قاموس اللغة، مادة "رب".
(3) المنجد، مادة "رب".
السيد عادل العلوي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان