الظاهر:
في سنة 411 هجري خلف الظاهر لإعزاز دين اللّه أباه، وكان في السادسة عشرة من عمره، ودانت له ممالك أبيه كلها الشام والثغور وإفريقيا، وقامت عمته ست الملك بالوصاية عليه في الفترة الأولى من حكمه، فأظهرت كفاءة في تدبير المملكة وسياسة الناس.
وكان الظاهر عاقلاً سمحاً ذا دين وعفة وحلم مع تواضع، وعدل في الرعية، ومن ثم استقام له الأمر مدة من الزمن، وقد استطاع أن يكسب عطف أهل الذمة ومحبتهم، حيث تمتعوا في عهده بالحرية الدينية، ووجه عنايته إلى شؤون الدولة وتحسين الزراعة، وأصدر قانوناً منع فيه من ذبح البقر، وذلك على أثر وباء أصاب الحيوانات التي تستخدم في فلاحة الأرض.
ومات الظاهر بمرض الاستسقاء سنة 427، وقام بعده ابنه أبو تميم الذي تلقب بالمستنصر. (النجوم الزاهرة ج 4).
المستنصر:
جاء في أول الجزء الخامس من كتاب «النجوم الزاهرة» ما يلي:
ولي المستنصر باللّه الخلافة بعد أبيه سنة 427، وكان عمره سبع سنين وسبعة وعشرين يوماً، وبقي في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر. وهو الذي خطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق سنة 451، ولا نعلم أحداً في الإسلام لا خليفة ولا سلطاناً طالت مدته في الحكم مثل المستنصر.
وحدث في أيامه بمصر الغلاء الذي ما عرف مثله منذ زمان يوسف، ودام سبع سنين، حتى بلغ ثمن الرغيف الواحد خمسين ديناراً، وقيل: إنه كان يموت بمصر كل يوم عشرة آلاف نفس، ثم عدمت الأقوات كلية، فأكل الناس الكلاب والقطط، ثم أكل بعضهم بعضاً، وقد دون المؤرخون عن هذه المجاعة قصصاً مروعة.
وخرجت بعض البلاد عن سلطان الفاطميين في عهد المستنصر، فقد زالت سلطتهم من بلاد المغرب الأقصى سنة 475، وخلع أمير مكة والمدينة طاعتهم سنة 462.
ومات المستنصر سنة 487، وقام بعده ابنه أحمد المستعلي باللّه.
المستعلي:
وفي عهد المستعلي وهنت الدولة الفاطمية، وقامت الحروب الداخلية والخارجية، فقد نازع المستعلي أخوه نزار على الملك، ودارت بينهما حروب وفتن، كما بدأ الصليبيون يغيرون على سواحل بلاد الشام، فاستولوا على إنطاكية وتوابعها، ثم تابعوا سيرهم، حتى وصلوا إلى بيت المقدس، ودارت بينهم وبين جيوش الفاطميين معارك حامية، ولكن الصليبيين استولوا بالنهاية على فلسطين والمدن الساحلية ببلاد الشام.
وتوفي المستعلي سنة 495، وقام بعده ابنه الآمر بأحكام اللّه.
الآمر:
استخلف الآمر، وله من العمر 5 سنين، وكان الوصي ومدبر شؤون البلاد الوزير الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش. ونقل صاحب «النجوم الزاهرة» في الجزء الخامس ص 170 طبعة سنة 1935 عن الحافظ الذهبي:
إن الآمر كان رافضياً كآبائه، ولي الأمر، وهو صبي، فلما كبر قتل الأفضل وعين في الوزارة المأمون البطائحي، فظلم وأساء السيرة، فقتله الآمر وصادر أمواله، وفي أيام الآمر أخذ الصليبيون عكا سنة 497، وأخذوا طرابلس سنة 502، وقتلوا وسبوا، وجاءت نجدة المصريين بعد فوات الأوان، وسنة 511 أخذوا تبنين، وتسلموا صور سنة 518، وأخذوا بيروت سنة 503، وصيدا سنة 504، ثم قصد الملك بردويل مصر ليأخذها، فهلك قبل أن يصل العريش، وهكذا تضعضع ملك الفاطميين في عهد الآمر المشؤوم الطلعة.
وفي سنة 524 تعاهد تسعة رجال على اغتيال الآمر، وانتظروا الفرصة، حتى مر في بعض الطرق فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، وضربوه بالسكاكين، حتى أن واحداً منهم ركب وراءه، وضربه عدة ضربات، وأدركهم الناس، وقتلوا التسعة. (النجوم الزاهرة ج 5).
وقام بعده ابن عمه الحافظ لدين اللّه عبد المجيد بن محمد بن المستنصر.
الحافظ:
ولي الحافظ الخلافة بعد قتل ابن عمه الآمر الذي لم يترك ولداً ذكراً، ووزر للحافظ أبو علي أحمد بن الفضل، وقويت شوكة هذا الوزير، وصار صاحب الأمر كله، قال أبو المحاسن في الجزء الخامس من النجوم الزاهرة:
ضيق الوزير على الحافظ، وحجر عليه، ومنعه من الظهور، وأودعه في خزانة لا يدخل إليه أحد إلا بأمر الوزير، ثم أهمل الوزير خلفاء بني عبيد - أي الفاطميين - والدعاء لهم، لأنه كان سنياً كأبيه. وغير قواعد الشيعة، فأبغضه الأمراء والدعاة، لأن غالبهم كانوا من الشيعة، بل الجميع، فلما كرهه الشيعة المصريون صمموا على قتله، فكمن له جماعة، وقتلوه، وأخرجوا الحافظ، وبايعوه ثانية.
وهذا الحافظ كان كثير المرض بعلة القولنج، فعمل له شير ماه الديلمي طبل القولنج الذي كان في خزائن الفاطميين، ومن خاصته أنه إذا ضربه أحد خرج الريح من مخرجه، ولهذه الخاصية كان ينفع الطبل من القولنج، ولما ملك صلاح الدين الأيوبي كسر هذا الطبل، لا لشيء إلا لأنه من آثار الفاطميين.
ومات الحافظ سنة 544، وخلفه ولده إسماعيل الملقب بالظافر باللّه.
الظافر:
وكان الظافر حين ولي الخلافة ابن سبع عشرة سنة وأشهر، وكانت أيامه مضطربة، لحداثة سنه، واشتغاله باللهو، فقد ترك كل شيء، وانصرف إلى شاب مثله، وهو نصر ابن وزيره عباس الصنهاجي، حتى انتهى الأمر بالخليفة أنه كان يخرج من قصره لزيارة ابن عباس في داره، واغتنم الوزير مخالطة الخليفة لولده، وأوعز إليه باغتياله ففعل. واتهم عباس الوزير الذي دبر اغتيال الخليفة، اتهم اخوة الخليفة بقتله، وقتلهم، وكان للخليفة ابن اسمه عيسى، وله من العمر خمس سنين، فبايعه الوزير، ولقبه بالفائز بنصر اللّه، وأقام نفسه وصياً عليه، وذلك سنة 549 ومات الفائز سنة 555، وهو ابن عشر سنين أو نحوها، وقام بعده العاضد لدين اللّه، وكان ابن 11 سنة، وخلعه صلاح الدين الأيوبي سنة 567، وخطب للخليفة العباسي ببغداد، وبالعاضد زالت الدولة الفاطمية التي استمرت من سنة 296 إلى سنة 567، وقد استعمل الأيوبي سياسة الإفناء والاستئصال مع الفاطميين.
الفاطميون والحضارة:
بلغت الحضارة في عهد الفاطميين اقصى الغايات، فبنوا المدن، واقاموا المساجد، وأنشأوا دور الكتب والجامعات، واتسعت في أيامهم التجارة، وتحسنت الزراعة، وانتشرت الآداب، وفنون الحكمة وأنواع العلوم.
قال الأستاذ عنان في «الحاكم بأمر اللّه» إن العصر الفاطمي من أسطع عصور مصر الإسلامية، إن لم يكن أسطعها جميعاً.
وقال المستشرق «سيديو» في تاريخ العرب العام ص 244 طبعة 1948:
أخذ العرب يلقون أسطع الأنوار من القاهرة لا من بغداد، حيث ازدهرت التجارة والصناعة والزراعة والآداب والفنون والعلوم في عهد الفاطميين بمصر، كما ازدهرت في عهد خلفاء بني العباس الأولين، وكانت عاصمة الفاطميين تنافس أجمل مدن آسيا، وسلك ابن يونس المصري سبيل فلكيي العراق، فكان له مرصد، ولم يقصر الفاطميون في صنع ما ينسى الناس به بغداد. ولم يلبثوا أن صار لهم مثل دخل هارون الرشيد تقريباً.
وقال المستشرق «بروكلمان» في «تاريخ الشعوب الإسلامية» ص 108 ج 2 طبعة 954:
إن آثار الفاطميين العظيمة مثل جامع الحاكم والجامع الأزهر الذي لا يزال مزدهراً إلى يومنا هذا كأعظم المؤسسات المدرسية في الإسلام لتشهد للهمم العالية التي ابتدعتها.
وقال السيد مير علي في «مختصر تاريخ العرب» ص 510 طبعة 1938:
كان الفاطميون في أول عهدهم كالبطالسة الأولين يشجعون العلم، ويكرمون العلماء، فشيدوا الكليات والمكاتب العامة ودار الحكمة، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون والآلات الرياضية، لتكون رهن البحث والمراجعة، وعينوا لها أشهر الأساتذة، وكان التعليم فيها حراً على نفقة الدولة، كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجاناً، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم، كالمنطق والرياضة والفقه والطب، وكان الأساتذة يتشحون بلباس خاص عرف بالخلعة، أو العباءة الجامعية - كما هي الحال اليوم - وأرصدت للانفاق على تلك المؤسسات، وعلى أساتذتها، وطلابها وموظفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي 43 مليون درهم، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لإلقاء المحاضرات في دار الحكمة، فازدادت بهم روعة وبهاء.
الفاطميون والتشيع:
اتفق المؤرخون على أن الدولة الفاطمية قامت على أساس الدعوة الشيعية، وأنها قد حرصت جد الحرص على نشرها بمختلف الوسائل، وأن الفاطميين اتخذوا بناء المساجد ومعاهد العلوم سبيلاً لغزو عقائد المجتمعات «وقد وجدت العقائد الشيعية في مصر مرعى أكثر خصباً ونماء منه في شمال إفريقيا، وسرعان ما ترعرعت وعم أثرها».
فالمؤذنون ينادون على المآذن «حيّ على خير العمل» والخطباء في المساجد يفتتحون كلامهم بالصلاة على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة البتول، والحسن والحسين سبطي الرسول، وحلقات الدروس في الأزهر وغيره ترتكز على مذهب الشيعة، وأحكام القضاة تصدر وفقاً لهذا المذهب.
وكتب المعز على الأماكن خير الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجعلوا اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم يوم عيد، «وأصبح الاحتفال به في كل سنة من أهم الاحتفالات الدينية التي كانت تهتز لها جوانب القاهرة فرحاً وسروراً».
وعن خطط المقريزي «إن شعائر الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم توقف البيع والشراء، وتعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يطوفون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم ونفيسة، وهم نائحون باكون». وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب: «وكان من أهم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين الحسينية، وهي بناء فسيح الأرجاء تقام فيه ذكرى. مقتل الحسين في موقعة كربلاء». وأمعن الفاطميون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعائر الشيعة، حتى أصبحت جزءاً من حياة الناس.
ولولا سياسة الضغط والتنكيل التي اتبعها صلاح الدين الأيوبي مع الشيعة لكان لمذهب التشيع في مصر اليوم وبعد اليوم شأن أي شأن.
وإذا لم يكن الفاطميون على مذهب الاثني عشرية فإن هذا المذهب قد اشتد أزره، ووجد منطلقاً في عهدهم، فقد عظم نفوذه، ونشطت دعاته وعملوا على نشره وتوطيده، وأقبل الناس عليه آمنين مطمئنين على أنفسهم وأموالهم ... ذلك أن الاثني عشرية والإسماعيلية وإن اختلفوا من جهات فإنهم يلتقون في هذه الشعائر، بخاصة في تدريس علوم آل البيت، والتفقه بها، وحمل الناس عليها.
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)