الشيخ محمد جواد مغنية
نسب إلى الإمامية القول بأن عند فاطمة بنت الرسول مصحفاً، فيه زيادات عن هذا القرآن الكريم، وقبل أن نبين حقيقة هذه النسبة نشير إلى عقيدة المسلمين في صيانة الكتاب العزيز.
اتفق المسلمون بكلمة واحدة على أنه لا زيادة في القرآن، ما عدا فرقة صغيرة شاذة من فرق الخوارج، فإنها أنكرت أن تكون سورة يوسف من القرآن، لأنها قصة غرام يتنزه عن مثلها كلام الله سبحانه. ونسب إلى بعض المعتزلة إنكار سورة أبي لهب، لأنها سب وطعن لا يتمشى مع منطق الحكمة والتسامح.
ونحن لا نتردد، ولا نتوقف في تكفير مَن أنكر كلمة واحدة من القرآن، وإن جحود البعض، تماماً كجحود الكل، لأنه طعن صريح فيما ثبت عن النبي (ص) بضرورة الدين، واتفاق المسلمين.
أما النقصان بمعنى أن هذا القرآن لا يحتوي على جميع الآيات التي نزلت على محمد، فقد قال به أفراد من السنة والشيعة في العصر البائد، وأنكر عليهم يومذاك المحققون شيوخ الإسلام من الفريقين، وجزموا بكلمة قاطعة أن ما بين الدفتين هو القرآن المنزل دون زيادة أو نقصان للآية 8 من سورة الحجرات: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). والآية 41 من سورة فصلت: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
واليوم أصبح هذا القول ضرورة من ضرورات الدين وعقيدة لجميع المسلمين، إذ لا قائل بالنقيصة، لا من السنة، ولا من الشيعة. فإثارة هذا الموضوع، والتعرض له ـ في هذا العصر ـ لغو وعبث، أو دس وطعن على الإسلام والمسلمين.
وإذا عذرنا محب الدين الخطيب والحفناوي والجبهان وأضرابهم من المأجورين فإنا لا نعذر أبداً الشيخ أبا زهرة، لأنه في نظرنا أجلّ، وأسمى علماً وخلقاً من ألف خطيب وخطيب من أمثال محب الدين. لذا وقفنا حائرين متسائلين: ماذا أراد فضيلته من إثارة هذا الموضوع في كتاب (الإمام الصادق) مع علمه ويقينه أنه أصبح في خبر كان، وأنه لا قائل به اليوم من الشيعة ولا من السنة؟ ماذا أراد الشيخ أبو زهرة من حملته الشعواء على الشيخ الكليني صاحب الكافي الذي مضى على وفاته أكثر من ألف سنة؟ هل يريد الشيخ أن يدخلنا في جدل عقيم، ونحن نطلب الوفاق والوئام معه ومع غيره؟ وحيثما أجلت الفكر في سبب هذه الحملة لم أجد لها تفسيراً إلا التأثر بالبيئة والوراثة.
وهل من شيء أدل على ذلك من قوله في ص36: "لا نستطيع قبول روايات الكليني، لأنه الذي ادعى أن الإمام جعفر الصادق قد قال: إن في القرآن نقصاً وزيادة، وقد (كذبه) ـ كذا ـ كبار العلماء من الاثني عشرية، كالمرتضى والطوسي وغيرهما، ورووا عن أبي عبدالله الصادق نقيض ما ادعاه الكليني" وكرر هذه العبارة وما إليها في صفحات الكتاب مرات ومرات. إن أبا زهرة يصور الكليني، وكأنه قد تفرد بهذا القول دون غيره، وتصويره هذا بالتضليل أشبه، كما يتضح مما يلي: ولست أدري كيف ذهب الشيخ عن وجه الشبه فيما نقله الكليني في الكافي، وما نقله كل من البخاري ومسلم في صحيحه؟ قال البخاري في ج8 ص209 طبعة سنة 1377هـ:
"جلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي؟ فمن عقلها ووعها فليحدث بها، حيث انتهت به راحلته، ومَن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي. إن الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على مَن زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل، أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (ان لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) ".
هذا ما جاء على لسان الخليفة الثاني في صحيح البخاري، وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه ص107 القسم الأول من الجزء الثاني طبعة سنة 1348هـ، ولم يذكر فيه (أن لا ترغبوا عن آبائكم) الخ مع العلم بأن ليس في القرآن ما يشعر بوجوب الرجم والرغبة عن الآباء. وقال السيوطي في (الإتقان) ج1 ص60 مطبعة حجازي بالقاهرة:
"أول مَن جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت، فقال ـ أي أبو بكر ـ: اكتبوها فإن رسول الله (ص) جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب، وإن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها، لأنه كان وحده".
وإذا كان أبو زهرة لا يقبل أحاديث الكليني، لأنه روى حديث التحريف ـ كما قال ـ فعليه أن لا يقبل أحاديث البخاري جملة وتفصيلاً، لمكان هذا الحديث الصريح الواضح بالتحريف بشهادة عمر بن الخطاب. إن ما ذكره الكليني في هذا الباب لا يختلف في النتيجة عما ذكره البخاري ومسلم. فلماذا تحامل الشيخ على الكليني، وسكت عنهما؟ والجواب عند القارئ.
وأيضاً روى البخاري في الجزء الرابع (باب طفة ابليس وجنوده) عن عائشة أنها قالت: "سحر النبي، حاتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله".
وقد كذبه في ذلك الجصاص أحد أئمة الحنفية، قال ما نصه بالحرف: "وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم وأفظع، ذلك أنهم زعموا أن النبي (ص) سحر وأن السحر عمل فيه، حتى قال: إنه يخيل لي إني أقول الشيء، ولا أقوله، وأفعله، ولم أفعله ـ إلى أن قال الجصاص ـ: ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين". الجزء الأول من أحكام القرآن للجصاص ص55 طبعة سنة 1347هـ.
وكذب البخاري في ذلك أيضاً الشيخ محمد عبده في تفسيره لسورة الفلق، حيث قال: "وقد رووا أحاديث أن النبي (ص) سُحر. حتى كأنه يفعل الشيء، وهو لا يفعله، أو يأتي شيئاً، وهو لا يأتيه. وهذا يصدق قول المشركين فيه. (ان تتبعوا إلا رجلاً مسحوراً). وليس المسحور إلا مَن خولط في عقله، وخيل إليه أن شيئاً يقع، وهو لا يقع، فيخيل إليه أنه يوحى إليه، ولا يوحى إليه".
والآن، وبعد هذه الأرقام بماذا تجيب ـ أيها الشيخ ـ؟ قلت: إن لا تقبل روايات الكليني، لأن الطوسي والمرتضى كذباه في رواية التحريف. ونقول لك: إن الإمام الجصاص، والإمام عبده كذبا البخاري في رواية سحر النبي. وقال الأول: إن هذا من وضع الملحدين. وقال الثاني: إن السحر يستلزم تصديق المشركين وتكذيب الرسول. وعليه فأنت بين أمرين: إما أن لا تقبل روايات البخاري والكليني معاً، وإما أن تقبلهما معاً، ولا أظنك تفعل هذا ولا ذاك. بل تقبل البخاري، دون الكليني، وتناقض نفسك بنفسك. وهذا هو منطق كل مَن رد وتحامل على علماء الإمامية.
لقد ذهل الشيخ أبو زهرة عن ذلك، وذهل أيضاً عن أن مخالفة المرتضى والطوسي للكليني إنما هي كمخالفة مالك لأبي حنيفة، والشافعي للاثنين، وأحمد للثلاثة في كثير من المسائل. وإذا كان اختلاف علماء الإمامية فيما بينهم يستدعي طرح أقوالهم كلاً أو بعضاً فكذلك الأمر بالنسبة إلى علماء السنة، وأئمة المذاهب.
إن اختلاف أنظار العلماء في صحة الحديث وضعفه كاختلافها في الأحكام نفسها لا يستدعي تكذيبهم، وطرح أقوالهم. بل إن أبا زهرة صرح في كتاب (المذاهب الإسلامية) ص21 بأن الخلاف الذي نتج عن الاستنباط كان محمود العاقبة حسن النتيجة. فهل هذا الحسن يختص بعلماء طائفة دون أخرى؟
وبعد هذه الوقفة القصيرة مع الشيخ أبي زهرة نعود إلى الحديث عن مصحف فاطمة، وقد جاء ذكره في أخبار أهل البيت مع تفسيره، وأنه كان من إملاء رسول الله على عليّ، قال الإمام الصادق: عندنا مصحف فاطمة، أما والله، ما فيه حرف من القرآن، ولكنه من إملاء رسول الله، وخط عليّ.
قال السيد محسن الأمين في (الأعيان) قسم أول من ج1 ص248: إن نفي الإمام الصادق أن يكون فيه شيء من القرآن لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد النسخ الشريفة، فنفى هذا الإيهام.
وفي كتاب الكافي أن المنصور كتب يسأل فقهاء أهل المدينة عن مسألة في الزكاة، فما أجابه عنها إلا الإمام الصادق، ولما سئل من أين أخذ هذا؟ قال: من كتاب فاطمة. إذن مصحف فاطمة كتاب مستقل وليس بقرآن. فنسبة التحريف إلى الإمامية على أساس قولهم بمصحف فاطمة جهل وافتراء.
والأولى نسبة هذا القول إلى الذين زعموا بأن لعائشة قرآناً، فيه زيادات عن هذا القرآن. قال جلال الدين السيوطي في كتاب (الإتقان) ج2 ص25 طبعة حجازي بالقاهرة ما نصه بالحرف: "قالت حميدة بنت أبي يونس: قرأ أبي، وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى) ".
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: أخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة