من التاريخ

وَمَن بقيَ لي في المدينة؟


قال عطيّة العوفيّ الذي رافق الصحابيّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ عند زيارته الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين من شهادته صلوات الله عليه: «... فبينما نحن كذلك، وإذا بسَوادٍ قد طلع من ناحية الشام، فقلت: يا جابر! هذا سَوادٌ قد طلع من ناحية الشام.
فقال جابر لعبده: انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلَّنا نلجأُ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى.
فمضى العبد، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر! قم واستقبل حُرَم رسول الله صلّى الله عليه وآله، هذا زين العابدين عليه السلام قد جاء بعمَّاتِه وأخواتِه.
فقام جابر يمشي، حافيَ الأقدام، مكشوفَ الرأس، إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام، فقال الإمام: أنتَ جابِر؟ فقال: نعم يا ابنَ رسول الله.
فقال: يا جابِرُ! هَهُنا، واللهِ، قُتِلَتْ رجالُنا، وذُبِحَتْ أطْفالُنا، وَسُبِيَتْ نِساؤنا، وَحُرِّقَتْ خِيامُنا...
وأقاموا العزاء، واجتمع إليهم نِساء أهل السَّواد، فخرجت زينب عليها السلام في الجَمع... ونادتْ بصوتٍ حزينٍ يقرّح القلوب: واحُسَيْناه، واحبيبَ رسولِ الله ... ووقعتْ مغشيّاً عليها....
 فأقاموا هناك ثلاثة أيّام، ملازمين لإقامة المآتم... ثمَّ بعد ذلك أمر عليّ بن الحسين عليه السلام بشدِّ الرحال؛ فشدُّوها، فصاحت سكينة بالنِّساء لتوديع قبر أبيها، فَدُرْنَ حول القبر، فحضنتْ سكينة قبر أبيها...
وانكبَّت فاطمة ابنة الحسين عليه السلام على قبر أبيها، وبكتْ بكاءً شديداً حتّى غُشِيَ عليها...
وقال بعضهم لعليّ بن الحسين عليه السلام: دعِ النِّساء تتزوّد من أهلها.
فقال عليه السلام: يا قَوْمُ، إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَ ما أرى، إنّي أخْشى عَلى عَمَّتي زَيْنَبَ أَنْ تَموتَ، إِنَّها تَقومُ مِنْ قَبْرٍ إلى قَبْرٍ.
ولمّا قيلَ لزينب عليها السلام: قومي! قالت: إِلى أَيْنَ؟
قالوا: إلى المدينة. قالت: وَمَنْ ذا بَقِيَ لي في المَدينَة؟!».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد