الشيخ محمد جواد مغنية
أهل البيت في اللغة سكانه ، وآل الرجل أهله ، ولا يُستعمل لفظ " آل " إلا في أهل رجل له مكانة .
وقد جاء ذكر أهل البيت في آيتين من القرآن ، الأولى الآية 73 من سورة " هود " : ﴿ ... رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ﴾ 1 ، و الثانية الآية 33 من سورة " الأحزاب " : ﴿ ... يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 2 . واتفق المفسرون أن المراد بالآية الأولى أهل بيت إبراهيم الخليل ، وبالآية الثانية أهل بيت محمد بن عبد اللّه ، وتبعاً للقرآن استعمل المسلمون لفظ أهل البيت وآل البيت في أهل بيت محمد خاصة ، واشتهر هذا الاستعمال حتى صار اللفظ علماً لهم ، بحيث لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة ، كما اشتهر لفظ المدينة بيثرب مدينة الرسول .
اختلف المسلمون في عدد أزواج النبي ، فمن قائل : أنهن ثماني عشرة امرأة ، ومنهم من قال : إنهن إحدى عشرة ، وعلى أي الأحوال فقد أقام مع النساء سبعاً وثلاثين سنة ، رُزق خلالها بنين وبنات ماتوا كلهم في حياته ، ولم يبق منهم سوى ابنته فاطمة . وقد اتفقت كلمة المسلمين على أن علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين من آل البيت في الصميم ، وأن شجرة النسب النبوي تنحصر فروعها في أبناء فاطمة، لأن النبي لم يُعقب إلا من وُلدها .
منزلة آل البيت عند المسلمين
إذا أردنا أن نعرف منزلة آل البيت عند المسلمين ، والباعث على تكوين الفرق الإسلامية ، وإيمانها بآل البيت فعلينا أن نلاحظ منزلة محمد عند المسلمين ، وسيرته مع آل بيته ، وأن نلاحظ ، مع ذلك ، أخلاق آل البيت أنفسهم ، وما أصابهم من المحن في سبيل تمسكهم بما يرونه الحق والعدل . وكل ما يرونه حقاً فهو الحق .
إن حقيقة الإسلام هي الشهادة للّه بالوحدانية ولمحمد بالرسالة : " لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه " . فمن أقرّ للّه بالوحدانية ، وجحد رسالة محمد ، أو نسب صفات الخالق إلى غير اللّه ، أو صفات النبوّة إلى غير محمد ممن كان في عصره ، أو جحد آية من القرآن ، أو سنّة ثابتة بالضرورة من سنن النبي ، فلا يصحّ عده من المسلمين ، لأنه لا يحمل الطابع الأساسي للإسلام . فالمسلم إذن من آمن باللّه ، وبمحمد ، وقرن طاعته بطاعته ، وبهذا نطقت الآية 59 من سورة " النساء " : ﴿ ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ﴾ 3 ، والآية 62 من سورة " التوبة " : ﴿ ... وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ... ﴾ 4 والآية 65 من سورة " النساء " : ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 5 . والآية 2 من سورة " النجم " : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 6 وما إلى ذلك من عشرات الآيات .
سيرة النبي مع آل بيته
نقل أصحاب السير والمناقب من السنّة والشيعة صوراً كثيرة لعطف النبي على آل بيته وحبّه لهم ، نكتفي بالإشارة إلى بعضها :
كان النبي إذا سافر ، فآخر بيت يخرج منه بيت فاطمة ، وإذا رجع من سفره فأول بيت يدخله بيتها . يجلس ويضع الحسن على فخذه الأيمن ، والحسين على فخذه الأيسر ، يُقبِّل هذا مرة وذاك أخرى ، ويجلس علياً وفاطمة بين يديه . وجاء في الحديث أنه دخل مرة بيت فاطمة ودعاها ودعا علياً ، والحسن ، والحسين ، ولفّ عليه وعليهم كساء وتلا الآية : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 2 . والمسلمون يسمّون هذا الحديث بحديث الكساء ، ويطلقون لفظ " أصحاب الكساء " على محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين .
وقال لهم مرة : " أنا سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم " . وما إلى ذلك من الأحاديث المشهورة عند جميع الفرق الإسلامية .
وقد أوصى النبي أمته بآل بيته ، وأوصاهم بالقرآن ، ففي الحديث : " إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه ، فيه الهدى والنور . . . ـ ثم قال ـ : وأهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي " .
وفي الآية 23 من سورة " الشورى " : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 7 . والمراد بالقربى قرابة النبي . ولذا أولاهم المسلمون على اختلاف فرقهم قسطاً كبيراً من الرعاية والتبجيل ، وكان لهم عند أبي بكر من التعظيم والإكبار ما لم يكن لأحد غيرهم . وكان عمر بن الخطاب يؤثرهم على جميع المسلمين ، فرض لأبناء البدريين من العطاء ألفين ألفين في السنة إلا حسناً وحسيناً فرض لكل واحد منهما خمسة آلاف . وقد ملأ أصحاب التاريخ والتراجم كتبهم بفضائل أهل البيت ومناقبهم . فأهل السنّة يقدّسون علياً والأئمة من ذرّيته ، ولكنهم لا يعترفون بأنهم أحقّ وأولى بالخلافة من غيرهم ، كما تعتقد الشيعة .
أخلاق أهل البيت
كان عليّ صلباً في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم . ولم يكن الحقّ في مفهومه ما كان امتداداً لذاته وسلطانه . فقد تساهل في حقوقه الخاصة حتى استغلّ أعداؤه هذا التساهل . عفا عن مروان بن الحكم بعد أن ظفر به في وقعة الجمل ، وعن عمرو بن العاص حين تمكن منه يوم صفين ، وسقى أهل الشام من الماء ، بعد أن منعوه منه ، حتى كاد يهلك جنده عطشاً . وإنما كان الحق في مفهومه أن لا يستأثر إنسان على إنسان بشيء كائناً من كان .
جاءته امرأتان ذات يوم تشكوان فقرهما ، فأعطاهما . ولكنّ إحداهما سألته أن يفضلها على صاحبتها ، لأنها عربية ، وصاحبتها من الموالي . فأخذ قبضة من تراب ، ونظر فيه ، وقال : لا أعلم أن اللّه فضَّل أحداً من الناس على أحد إلا بالطاعة و التقوى .
وطلب أخوه عقيل ، وهو ابن أمه وأبيه ، شيئاً من بيت المال ، فمنعه .
وأرادت ابنته أم كلثوم أن تتزيّن يوم العيد بعقد من بيت المال ، على أن تردّه عاريةً مضمونة ، حين كان أبوها خليفة ، فغضب .
وطلب طلحة والزبير الوظيفة على أن يناصراه ، وإلا عارضا وأثارا عليه حرباً شعواء ، فأبى ، ولما أشير عليه أن يخادعهما ويخادع معاوية حتى يستقيم له الأمر ، فقال : لا أداهن في ديني ، ولا أعطي الدنية في أمري .
وأبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء . . وكان يلبس المرقّع حتى استحيا من راقعه ، كما قال ، وكان راقعه ولده الحسن . ويأكل الخبز الشعير تطحنه امرأته بيدها مواساة للكادحين والمعوزين .
وأثنى عليه رجل من أصحابه ، فأجابه بقوله : إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر ، ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحبّ الإطراء واستماع الثناء . . . فلا تكلموني بما تُكلم به الجبابرة .
وكان منكراً لذاته متوجهاً بكل تفكيره إلى خير الجماعة ، لا يبالي بغضب الخاصة إذا رضيت العامة ، ويقول : إن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامّة . لذا افتتنت به الجماهير في عصره وبعد عصره ، وبوّأته أعلى مكان ، لأنه العنوان الكامل لآمالها وأمانيها . ومنهم من رفعه إلى مكان الآلهة ، كما فعل الغلاة ، وبحقّ قال له النبيّ : يا علي إن اللّه قد زيّنك بأحبّ زينة لديه ، وهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ، ويرضون بك إماماً .
لقد بالغ عليّ في تمسّكه بالحقّ ، وحاسب عليه نفسه وعمَّاله ، حتى أغضب الكثير منهم ، وبعضهم تركه وهرب إلى عدوّه معاوية ، وأصبح عوناً له بعد أن كان حرباً عليه .
آمن علي باللّه و بالإنسان . وقد ورث عنه الأئمة من ولده هذا الإيمان وساروا بسيرته ، وتخلّقوا بأخلاقه ، فكل واحد منهم وافر العلم ، محبّ للخير والسلم ، عزوف عن الشرّ والحرب ، صارم في الحق . وإنما ظهر بعض هذه الصفات في شخص أحدهم أكثر من الآخرين تبعاً للظروف ومقتضيات الأحوال . ظهر في الحسن بن علي حبه للسلم وكرهه للحرب ، لأن عصره كان عصر الفتن والقلاقل ، بايعه أهل العراق بعد وفاة أبيه بالخلافة ، وكان جيشه يتألف من أربعين ألفاً . ولما رأى أن معاوية مصرّ على الحرب ، تنازل له عن الخلافة مؤثراً حقن الدماء وصالح الإسلام على كل شيء . . وظهرت صلابة الحسين في الحق ، وضحَّى بنفسه وأهله وأصحابه ، لأن يزيد بن معاوية لم يترك مجالاً للمهادنة . وظهرت آثار علوم الإمام محمد الباقر وولده الإمام جعفر الصادق ، لأن العلم في عصرهما كثر طلابه والراغبون فيه ، وقد أفسح لهما المجال للتدريس وبثّ العلوم .
ـــــــــــــــــــ
• 1. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 230 .
• 2. a. b. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
• 3. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 .
• 4. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 62 ، الصفحة : 197 .
• 5. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 88 .
• 6. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع