السفراء الأربعة هم الذين تولّوا الوكالة الخاصة عن الإمام المهدي عجل الله فرجه خلال غيبته الصغرى وكانت مهمتهم قيادة الموالين من الناحية الفكرية والسلوكية طبقاً لأوامره عجل الله فرجه أي التوسط في قيادة المهدي عجل الله فرجه للمجتمع وتطبيق تعاليمه فيه، وقد أهّلهم لنيل السفارة الخاصة دون غيرهم درجة إيمانهم وإخلاصهم فكانوا على استعداد لأكبر التضحيات وقد استطاعوا بمسلكهم تحقيق المصالح العامة في قيادة الموالين وهدايتهم والمحافظة عليهم.
* عثمان بن سعيد العمري
الشيخ عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو الأسدي، ورد اسمه أول ما ورد في المصادر التاريخية كوكيل خاص للإمام الهادي عليه السلام فقد كان يستوثقه ويمدحه بمثل قوله: "هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعنِّي يقوله وما أداه إليكم فعنِّي يؤديه". وهذا النص بنفسه يدلّ على النشاط الذي كان يقوم به وهو نقل المال والمقال من الإمام الهادي عليه السلام وإليه فكان يمثّل دور الوساطة بين الإمام عجل الله فرجه والموالين في الفترة التي بدأ فيها الإمام بتطبيق مسلك الاحتجاب عن مواليه تعويداً لهم على الغيبة التي سوف يواجهونها في حفيده المهدي عجل الله فرجه. بعد استشهاد الهادي عليه السلام أصبح أبو عمرو وكيلاً خاصاً للإمام العسكري عليه السلام ذا نشاط ملحوظ وبراعة في العمل. كان يحمل المال في زقاق السمن ويسير على المسلك الذي خطّه له الإمام في الإخفاء والتكتم. ويظهر أمام الناس كتاجر اعتيادي بالسمن تغطية على حاله ومسلكه وعقيدته. وكان الإمام العسكري عليه السلام يُكثر من مدحه حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه وينصّ الإمام عليه السلام في مجلس حافل بالخاصة يُعَدُّون بأربعين رجلاً يعرض فيه ولده المهدي عجل الله فرجه وينصّ على إمامته وغيبته وينصّ على وكالة عثمان عن المهدي عجل الله فرجه قائلاً:"فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه".
وبعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام أصبح عثمان بن سعيد السفير الأول للمهدي عجل الله فرجه وكان يضطلع بالمهمة العظمى في ربط الإمام عجل الله فرجه بالموالين وتبليغ توجيهاته وتعاليمه إليهم وإيصال أسئلتهم ومشاكلهم وأموالهم إليه وبقي مضطلعاً بمهام السفارة حتى وافاه الأجل ولم يفته قبل وفاته أن يبلّغ أصحابه والموالين ما هو مأمور به من قبل المهدي عجل الله فرجه من إيكال السفارة إلى ابنه محمد بن عثمان وجعل الأمر كله مردوداً إليه.
* محمد بن عثمان العمري
الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري (أبو جعفر)، تولى السفارة بعد أبيه بنص من الإمام العسكري حيث قال عليه السلام:"واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد وكيلي وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم". وبنص أبيه على سفارته بأمر من المهدي عجل الله فرجه. وكان جميع الموالين مجتمعين على عدالته وثقته وأمانته، وكلمات الإمام المهدي عجل الله فرجه فيه متظافرة فقد كان يُثني عليه الثناء العاطر ويشجّعه وهو في أول أيام اضطلاعه بمهمته الكبرى. وكانت التوقيعات تخرج على يده من الإمام المهدي عجل الله فرجه في المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه. لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يُرجع إلى أحد سواه وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام ظهرت على يده وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة. وبقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من خمسين سنة حيث كان أطول السفراء بقاء في السفارة وأكثرهم توفيقاً في تلقي التعاليم من الإمام المهدي عجل الله فرجه وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه والذي كان مأموراً بقيادته وتدبير شؤونه.
وكان له كتب مصنّفة في الفقه مما سمعه عن الإمام العسكري عليه السلام ومن المهدي عجل الله فرجه ومن أبيه عثمان عن الإمامين العسكري والهادي عليه السلام. كان يعلم بإرشاد من الإمام المهدي عجل الله فرجه بزمان موته إذ حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج. يقول الراوي فسألته عن ذلك فقال: أُمرت أن أجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين. وكان قد أعدَّ لنفسه ساجة نقش عليها آيات من القرآن الكريم وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها. قال الراوي فسألته عنها فقال: هذه لقبري تكون فيه أُوضع عليها وأنا في كل يوم أنزل فيه أقرأ جزءاً من القرآن وأصعد وإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى اللَّه تعالى عزّ وجلّ. قال الراوي: وما تأخّر الأمر حتى اعتلّ فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر والسنة التي ذكرها. ولم يفت أبو جعفر العمري رضي الله عنه أن يوصي إلى خلفه السفير الثالث: الحسين بن روح بأمر من الحجة عجل الله فرجه وعندما تُوفّي دُفن في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه.
* الحسين بن روح النوبختي
الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي اشتهر أول أمره كوكيل مفضل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري حيث كان ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة الذين حصل في أنفسهم محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بمحمد بن عثمان وتوثيقه عندهم إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه. فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد. على أن أبا القاسم ابن روح على جلالة قدره وقربه من السفير الثاني واختصاصه به لم يكن خير أصحابه ولم يكن قد عاش تاريخاً زاهراً بإطراء وتوثيق الأئمة عليهم السلام لذلك احتاج أبو جعفر العمري من أجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إليه وتوثيقه في نظر الموالين أن يُكرّر الإعلان عن مهمته في إيكال الأمر إليه وأن يأمر بدفع أموال الإمام عليه السلام إليه قبل وفاته بأعوام بأمر من الإمام المهدي عجل الله فرجه. وعندما اشتدّت بأبي جعفر العمري حاله اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم هذا أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عجل الله فرجه والوكيل والثقة الأمين فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهماتكم فبذلك أُمرت وقد بلغّت. تولّى الحسين بن روح السفارة فعلاً بموت محمد بن عثمان ودامت سفارته حوالى الواحدة والعشرين سنة وكان أول كتاب تلقاه من الإمام المهدي عجل الله فرجه كتاباً يشتمل على الثناء عليه وقد دعا له المهدي عجل الله فرجه في الكتاب وقال: "عرّفه اللَّه الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق وقفنا على كتابه وهو ثقتنا بما هو عليه وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرّانه زاد اللَّه في إحسانه إليه". وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة وقام بها خير قيام وكان من مسلكه الالتزام بالتقية المضاعفة يحفظ بذلك مصالح كبيرة ويجلب بها قلوب الكثيرين وقد تولّى رضي الله عنه أيام سفارته الحملة الرئيسية ضد ظاهرة الانحراف عن الخط وادعاء السفارة زوراً بتبليغ الموالين توجيهات الإمام عجل الله فرجه وبقي مضطلعاً بمهامه العظمى حتى لحق بالرفيق الأعلى عام 326 ودفن في النوبختية وقبره اليوم في بغداد معروف وهو مقصدٌ ومزارٌ.
* علي بن محمد السمري
الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمد السمري. ذُكر أولاً كواحد من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام ثم ذكر قائماً بمهام السفارة المهدوية ببغداد بعد الشيخ ابن روح بإيعاز منه عن الإمام المهدي عجل الله فرجه. تولى السفارة من حين وفاة أبو القاسم بن روح عام 326 إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان فتكون مدة سفارته عن الإمام المهدي عجل الله فرجه ثلاثة أعوام كاملة. ولم ينفتح للسمري خلال هذا الزمان القصير بالنسبة إلى أسلافه القيام بفعاليات موسعة كالتي قاموا بها ولم يستطع أن يكتسب ذلك العمق والرسوخ في القواعد الشعبية كالذي اكتسبوه وإن كان الاعتقاد بجلالته ووثاقته كالاعتقاد بهم. ولعل لتلك السنوات المليئة بالظلم والجور وسفك الدماء دخلاً كبيراً في كفكفة نشاط هذا السفير وقلة فعالياته فإن النشاط الاجتماعي يقترن وجوده دائماً بالجو المناسب والفرصة المؤاتية فمع صعوبة الزمان وكثرة الحوادث لا يبقى هناك مجال مهم لمثل عمله المبني على الحذر والكتمان. وهذا بنفسه من الأسباب الرئيسية لانقطاع الوكالة بوفاة السمري وعزم الإمام المهدي عجل الله فرجه على الانقطاع عن الناس. وكان السمري رضي الله عنه قد أخرج إلى الناس قبل وفاته بأيام توقيعاً من الإمام المهدي عجل الله فرجه يُعلن فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفارة بموت السمري ويمنعه من أن يوصي بعد موته إلى أحد ليكون سفيراً بعده. ويقول عجل الله فرجه فيه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم اللَّه أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلا بإذن اللَّه تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً...".
فكان هذا آخر خطاب خرج من الإمام المهدي عجل الله فرجه عن طريق السفارة الخاصة وآخر ارتباط مباشر بينه وبين الناس في الغيبة الصغرى قضى بعده علي بن محمد السمري بستة أيام فدفن في بغداد حيث يوجد له مزار معروف.
ـ
مجلة بقية الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع