من التاريخ

الإمام العسكريّ (ع) وبناء الكوادر العلميّة

الشيخ عبدالله اليوسف

 

اعتنى الإمام العسكري ببناء كوادر علمية مؤهلة في مختلف التخصصات العلمية المهمة، كي يقوموا بأدوار قيادية ودينية وعلمية وفكرية، ومن أهم هذه الأدوار نشر العلوم والمعارف الإسلامية في أصقاع الدنيا، وإيصال منهج وفكر أهل البيت للناس، وربط المجتمع بالقيادة الشرعية، وتدوين الأحاديث والروايات، وبثها بين العلماء والفقهاء، وتأسيس المدارس العلمية لتأهيل علماء وفقهاء ينتمون لمدرسة أهل البيت.

وبناء الكوادر العلمية ليس بالأمر السهل في ظروف سياسية بالغة التعقيد كعصر الإمام العسكري، حيث وضع تحت المراقبة الشديدة، ومع ذلك تجاوز كل القيود والسدود من خلال المكاتبة لأصحابه وتلامذته، وتزويدهم بتوجيهاته وإرشاداته الدينية والعلمية، والالتقاء بهم متى ما سمحت له الظروف بذلك.

 

وقد كان لتلامذة وأصحاب الإمام العسكري دور بارز في نشر علوم ومعارف الإمام، وقد كان فيهم الرواة للحديث، وفيهم الفقهاء الكبار، وفيهم الوكلاء والثقات، وفيهم الكُتّاب المتميزون.

ويعود لهؤلاء الفضل في نشر علوم الإمام ومعارفه بين الناس، فقد دونوا ما سمعوه أو وصل لهم كتابة من الإمام، وما كتبوه بأقلامهم من كنوز وتراث وعلوم الإمام، ونشروه في الآفاق رغم كل الظروف الصعبة، والتضييق عليهم، إلا أنهم استطاعوا إيصال بعض فتاوى وأحاديث ووصايا الإمام العسكري إلى العلماء والفقهاء والموالين والأتباع من مدرسة أهل البيت، بل وغيرهم من سائر المذاهب الإسلامية.

وقد اختلف الباحثون والمؤلفون لسيرة وحياة الإمام العسكري في عدد تلامذته وأصحابه بين الكثرة والقلة، فالشيخ باقر شريف القرشي أحصى «106» من أصحاب الإمام وتلامذته ورواته وثقاته، وقد ترجم لأغلبهم ترجمة وافية، وبعضها مختصرة، وذكر منزلتهم ودرجة وثاقتهم، وجملة من مروياتهم ومؤلفاتهم (1).

 

أما الشيخ محمد حسن آل ياسين «رحمه الله» فقد ترجم ل «103» من الرواة والمحدثين والتلامذة، وقد ركز على ذوي المصنفات والمؤلفات منهم (2).

أما الشيخ محمد جواد الطبسي فقد بلغ عدد ما أحصاه من أصحاب وتلامذة الإمام «213» محدثاً وراوياً، إذ يقول: «وأما نحن فلم نكتفِ بما نقله الشيخ الطوسي من أصحابه، بل أضفنا إليه أسماء من صحبه - ولو كان قليلاً - وروى عنه قولاً أو فعلاً وهكذا تعرضنا لذكر من كاتبه وروى عنه بعض المسائل بالمكاتبة وإن لم يشاهده ويلتقِ به» (3).

أما السيد محمد كاظم القزويني فقد ترجم ل «242» راوياً ومحدثاً وتلميذاً، ورتبهم على طريقة «الألف باء»، وقد تتبع ترجمات أصحاب الإمام، وأشبعه بحثاً وتحقيقاً، ودوّن أقوالهم وما نقلوه عن الإمام العسكري من رواية، أو رسالة، أو فتوى، أو وصية، أو حكمة، أو توجيه وإرشاد... حتى أصبح معظم كتابه عن تراجم أصحاب الإمام العسكري (4).

بينما الشيخ الطوسي ذكر في رجاله من أصحاب الإمام الحسن العسكري ما عدده «103» فقط (5).

 

وواضح أن من أسباب اختلاف العدد هو اختلاف المنهج في إضافة أي راو أو تلميذ لمدرسة الإمام العسكري؛ فالشيخ الطبسي سجل كل من كاتب الإمام ونقل عنه من أصحابه ورواته، أما الشيخ محمد حسن آل ياسين فركز على أصحاب المؤلفات والمصنفات من تلامذة وأصحاب الإمام... وهكذا يتباين العدد بين القلة والكثرة.

ومهما يكن العدد، فإن الشيء المؤكد أن الإمام العسكري كان له اهتمام بالغ - كآبائه الأطهار - بتربية جيل من الرواة والمحدثين والثقات والأصحاب والطلاب كي يتحملوا مسؤولية نشر الإسلام، وبث علوم ومعارف أهل البيت في كل أصقاع الدنيا، وربط الناس بالقيادة الشرعية، والتمهيد لمرحلة الغيبة الكبرى، وما ستواجه الأمة الإسلامية في مستقبل أيامها، وبيان كيفية التعامل مع الحوادث الواقعة.

وقد حظي مجموعة من الأصحاب والرواة بالتتلمذ على الإمام الحسن بن علي العسكري، ونالوا شرف حضور مجالسه العلمية، وبحوثه الفقهية والقرآنية، فنهلوا من علومه ومعارفه، واستضاؤوا بنور حكمته وهديه مما جعلهم يبلغون مراتب عالية في معرفة الدين، وكسب العلوم والمعارف الإسلامية.

 

وكان منهم المحدثون والرواة والفقهاء والمفسرون والقادة والكُتَّاب والعلماء، وقد كان لهم دور ملموس فيما بعد في نشر معالم ومفاهيم الدين، وبيان مسائله وأحكامه، وتوضيح أصوله وفروعه.

وأصحاب الإمام العسكري وتلامذته ليسوا في مرتبة واحدة، سواء من الناحية العلمية، أو من جهة العدالة والوثاقة والضبط، بل يتفاوتون كما يتفاوت غيرهم من الطلاب والتلاميذ، فقد امتاز بعضهم بتدوين الأحاديث وتسجيل الأصول، وامتاز بعضهم بالفقه وما يرتبط به من علوم، وامتاز آخرون بتصنيف المؤلفات حيث أنجزوا عشرات المؤلفات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية.

وكان من أبرز طلابه وتلامذته ورواته: إبراهيم بن أبي حفص وإبراهيم بن مهزيار وأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدان وأحمد بن إدريس بن أحمد القمي وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري والحسن بن موسى الخشاب وداود بن القاسم الجعفري وسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي وعبد العظيم بن عبد الله الحسني وعبدالله بن جعفر الحميري القمي وعبدالله بن حمدويه البيهقي وعثمان بن سعيد العمري وعلي بن جعفر الهماني والفضل بن شاذان ومحمد بن أحمد بن جعفر القمي ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري.... وغيرهم.

وقد كان لهؤلاء الرواة والتلاميذ والأصحاب ممن تخرجوا من مدرسة الإمام العسكري العلمية دور مهم ومؤثر في نشر علوم ومعارف الإمام الحسن العسكري في مختلف الحواضر العلمية، وأسهموا من خلال مؤلفاتهم وتصنيفاتهم العديدة في إيصال فقه وفكر مدرسة أهل البيت إلى العلماء والفقهاء والمحدثين والرواة والمفسرين، وهو الأمر الذي ساهم في نشر علوم وآثار ومعارف أئمة أهل البيت الأطهار إلى المدارس والمراكز والحواضر العلمية الكبرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. انظر موسوعة سيرة أهل البيت: الإمام الحسن العسكري، باقر شريف القرشي، ص 165 - 209.

2. انظر كتاب الإمام الحسن بن علي العسكري، محمد حسن آل ياسين، دار المؤرخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012م، ج3، ص 240 - 251.

3. حياة الإمام العسكري، محمد جواد الطبسي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة 1424 هـ ، ص 259.

4. انظر كتاب: الإمام العسكري من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، منشورات دار الكتاب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ - 1992م، ص 61 - 291.

5. رجال الطوسي، ص 297 - 303.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد