مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ شفيق جرادي
عن الكاتب :
خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت. تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.

الصبر الزينبي والبصيرة الزينبية

البصيرة الزينبية

 

كانت البصيرة عند السيدة زينب (ع) حاصلة بعنوان واضح، مفاده ما وصفها به الأئمة الأطهار عليهم السلام أنّها كانت “عالمة غير معلّمة”. فصاحب البصيرة هو الذي تفيض المعرفة، ويفيض العلم من قلبه على عقله ولسانه وسلوكه وإرادته. والسيدة زينب (ع) عالمة، ولكن كيف وصلت لتكون عالمة؟ هل وصلت على طريقة الأئمة الأطهار أو طريقة أخرى؟ يمكنني القول: إنّ كلّ صاحب بصيرة إيمانية وحقيقية هو يقتبس نور معرفته الحقة من الأئمة الأطهار، ومن أهل العصمة (ع).

 

بناء عليه، فعلم المعصوم، هو هذا العلم الفطري ولكن بأعلى مداركه وكمالاته ومستوياته. وعندما نقول بأعلى مستوياته؛ أي أنّه يوجد دون ذلك وأقلّ منه، بالتدريج، ولكن يوجد خط قد حُدّد مستواه، سواء أكان واحد بالمئة أم عشرة أم خمسين أم سبعين بالمئة، وهو يسير على درب هذا العلم الفطري والذي يسميه العرفاء أو أهل المعرفة بـ”العلم اللدنّي”؛ أي من لدن الله؛ لأنّ الله هو الذي زرعه في قابليات الإنسان، والله هو الذي غذّاه.

 

كانت بصيرة وعلم السيدة زينب (ع) في هذا الطريق، وبنضج عالٍ ينسجم مع قابلياتها وسمو نفسها ومحيطها الذي تربّت فيه، والتربية التي نالتها من أهل العصمة في بيوتهم، بيت النبي (ص) وبيت الأمير وبيت الزهراء (ع)، وعند الإمامين الحسنين، إلى درجة أن السيدة زينب (ع) حتى بعد أن تزوجت من عبد الله بن جعفر، وهو صاحب الملك والجاه والإمكانات والقدرات، ورُزقت منه بأولاد وكوّنت عائلة وأسرة، رغم كل ذلك لم تغادر منزل الحسن والحسين بعد أبيها قط. فكل هذه الإمكانات والجاه لم تقعدها عن أن تكون في منزل مصدر الجهاد الرسالي ولم تتثاقل نحو الأرض. بل كانت حياتها اليومية في مركز الرسالة عند أخيها الحسين (ع)، تُعلِّم وتتعلّم، وتُرشّد، وتهدي، وتثبّت معالم ذكر وولاية محمد وآل محمد (ص)، حتى في لحظة خروج الإمام الحسين (ع) كان اسم وموقع السيدة زينب كأهم ركن من أركان هذا الخروج الثوري لنهضة الإمام (ع).

 

لذلك، كانت تعيش (ع) في حاضنة الوحي والرسالة، وفي حاضنة العصمة والنبوة والإمامة، فكان علمها وبصيرتها بصيرة ولائية نابعة من معين الإمامة والعصمة. وكل موالٍ لمحمد وآله هو مفطور على هذه البصيرة إذا غذّاها. ويمكن تغذية هذه البصيرة من خلال برنامج عبادي يقوم به أي أخ من الإخوة أو أخت من الأخوات، على أن يقصد بهذا البرنامج وجه الله فقط، لا وجه الجاه والرياء.

 

من يعرف كم كانت تصلي السيدة زينب؟ بعض الأخوات المؤمنات في أيامنا هذه، يقولون نحن نرتبط بفلان ممن يمثّل خط الإمامة، ويوصلنا إلى الإمام المهدي، ونصلي وندعو طوال النهار. هؤلاء في الواقع هم حطب جهنم. وللأسف هناك من يعتبرون أنّهم يقومون بما يقومون به فقط لأنّ عندهم شيخ ومريد على الطريقة الصوفية، ويسمون أنفسهم عرفاء وعرفانيين فقط لكي يراهم الناس، وانظروا إلى أولئك الذين يقيمون الأذكار العرفانية عبر الواتساب والتلغرام، منذ متى كان العرفان بهذا الشكل؟ ومنذ متى كان العرفان يُعرض على أي شخص غير لائق؟ الذي كان يسمى، حسب تعبيرات العرفاء الحقيقيين، (كمن يضع عقد اللؤلؤ على رقبة خنزير)، لأنّ إلقاء الحكمة جزافًا وبشكل مجاني ولغير أهلها، ومن دون خصوصية خاصة وكبيرة كمن يضع عقد لؤلؤ في رقبة خنزير.

 

بالتالي، العبادة التي لا يراد بها إلا وجه الباري عز وجل، والتي تقتصد فيها إلى مستوى تأكيد هذه الصلة بالله، هي التي تنمّي البصيرة.

 

وإذا أردنا ميزانًا للأعمال، علينا أن نجاهد على خط الولاية، بمعنى آخر من أين لي إيجاد جهاد حقيقي يوصل إلى عند الله على وفق خط الولاية؟ في هذا الزمن منّ الله علينا بالإمام الخميني (قده)، والإمام الخامنئي (حفظه الله)، فهل نحن نسير على دربهم، أم أننا ذاهبون وفق هذا المسمّى باتجاهات أخرى؟ بالتالي هذا السير على النهج الرسالي الولائي هو الذي ينمّي البصيرة المفطورة على خط محمد وآل محمد ويباركها، فتنمو البصيرة لتكون بصيرة زينيبة.

 

 الصبر الزينبي

 

البعد الثاني للشخصية الزينبية والذي يرد بشكل كبير عند الإمام الخامنئي (حفظه الله) هو موضوع “الصبر”؛ والذي بدونه لا يمكن لك أن تكون صاحب بصيرة أبدًا.

 

والصبر أنواع، منه:

 

صبر على الطاعة؛ أي بأن أكون حيث يريدني الله أن أكون. مثلًا عليك أن تقف وتحدّث الناس وتعلّمهم، ولكن مزاجك هو أن تستيقظ الساعة الخامسة صباحًا وتبقى إلى ما بعد صلاة العشاء بساعتين مثلًا، صلاة وأذكار، هذا ما يستهويك وتعرّف نفسك بأنك مؤمن، ولكنك لست بمؤمن. لأن العبادة هي برنامج، ويجب أن يكون هذا البرنامج وفق ما خطّه لك مسار الولاية. فإذا كان دور الأخت في بيتها مثلًا، أن تجعل منه مكانًا لطاعة الله وذلك عبر هداية أولادها، وتربيتهم وتعليمهم وتدريسهم؛ ولكنها قد تهتم بالشأن الاجتماعي والأمور الاجتماعية، ولا تلتفت إلى أولادها. فأي برنامج هذا وأنت بيتك فارغ؟ وأي برنامج هذا وقد رسبت بالجامعة نتيجة تفرّغها للعبادات، ورسوبها بالجامعة أو المدرسة أسّس لأنّ يُنظر إلى أهل الإيمان بأنهم ليسوا على شيء. عليه، تكونين أنموذجًا ومثالًا للحديث الوارد عن الأئمة (كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا) فتكونين شينًا على أهل البيت. هل هذه هي الولاية والبصيرة والعبادة والصبر؟ فالصبر على الطاعة حينما تدرس؛ لأنّ الرسالة تريدك الآن أن تدرس، وأن تحوّل الجامعات إلى مساجد حقيقية، بمعنى أن تحوّلها إلى محراب عبادة، وإيمان وثقافة ومعرفة بالهداية والدين والإسلام والأخلاق والقيم.

 

الصبر على الطاعة إذًا، بأن يكون لديك القدرة لتُحدث انقلابًا في نفوس الناس.

 

وصبر عن المعصية والبعد عنها؛ بحيث يكون المعيار عندنا، هو البحث، مهما أغوتنا الدنيا بأمورها، هل هذا ما يريده الله ورسوله؟ وهل هذا ما يريده الولي الفقيه؟ وهل هذا ما يجب عليّ في حركتي الجهادية للتمهيد لخروج القائم من آل محمد، وبناء مجتمع التمهيد لخروج القائم من آل محمد أن أقوم به؟ فهذا هو الصبر الحقيقي.

 

 حتى عندما نُبتلى بابتلاءات شخصية من مرض وضعف ووهن، وفقر، وفقدان أعزاء، فالصبر على على كل ذلك، هو الذي يقرّبنا من الله، ويجعل بصيرتنا تشتعل من نور. إن تماسكنا ولم نسقط بالإحباط.

 

المُلاحَظ في حياة السيدة زينب (ع) حينما حوّلت كل حياتها لتكون حياة رسالة، والاقتداء بسنن النبي وآل النبي، والاقتداء بأخيها الحسن وأخيها الحسين عليهما السلام. وبعد أن ارتحل الإمام الحسين (ع)، حيث كانت اللحظة التي تكون هي فيها في مورد القيادة، ولكن لكي توصل للقائد الفعلي كل الأمور وتضعها بين يديه، حفظت العائلة وحفظت الأمة وأودعتها بين يدي الإمام زين العابدين (ع). هذا هو الدور الفعلي ما بين الجهاد الزينبي بدءًا من عباءة تمثّل كامل العفة والنضج، مرورًا بالدور الذي أخذته في عبادتها وثورتها ونهضتها وعلومها ومعارفها، وفي هدايتها وبلاغها، وفي تحدّيها للظالم وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين. هذا الدور الذي يجب أن يكون عند كل من يريد أن يبتغي من السيدة زينب (ع) أنموذجًا ومسير جهاد وولاية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد