الشيخ أحمد بن سعيد الوائلي
وإليك مثالًا آخر: لقد تولى يزيد بن معاوية الحكم لمدة ثلاث سنوات قتل في سنة منها الحسين وأهل بيت رسول الله وسبى عيالهم وذبح أطفالهم وعمل فيهم أعمالًا لا تصدر من كسرى وقيصر.
وفي سنة ثانية قتل عشرة آلاف من المسلمين وسبعمائة من الصحابة حملة القرآن، واستباح المدينة ثلاثة أيام وسمح لجند أهل الشام أن يهتكوا أعراض المسلمات وذبح الأطفال حتى كان الجندي الشامي يأخذ الرضيع من ضرع أمه ويقذف به الجدار حتى ينتشر مخه على الجدار وأجبر الناس على بيعة يزيد على أساس أنهم عبيد له، وأخاف المدينة وروع الناس وأحال أرض المدينة المنورة إلى برك من الدماء وتلول من الأشلاء.
وفي سنة ثالثة سلط المنجنيقات على الكعبة وهدمها وأحرقها وزعزع أركانها وجعل القتال داخل المسجد الحرام وسال الدم حتى في قاع الكعبة وقد استعرض ذلك مفصلًا كل من تاريخ الخميس للديار بكري والطبري وابن الأثير والمسعودي في مروج الذهب وغيرهم من المؤرخين في أحداث سنة ستين حتى ثلاث وستين من الهجرة. ومع ذلك كله تجد كثيرًا من أعلام السنة يخطئون من يخرج لقتال يزيد وأن الخارج عليه يحدث فتنة ووصل الأمر إلى حد تخطئه الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة فكأن النبي (ص) عندما قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ما كان يعلم بأنه يقاتل يزيد وحينما يقول النبي (ص): " إن الحسين وأصحابه يدخلون الجنة بغير حساب " (1) لم يأخذ في حسابه أنهم خارجون على يزيد اللهم اهد قومنا، وكأن ابن العربي المالكي أعرف بمصائر الأمور من النبي نفسه الذي يرسم للحسين مصيره ويأمره بتنفيذ ذلك، أرأيت معي إلى أي مستوى من المهازل تصل الدنيا؟
وهذا الإمام الغزالي الذي سنقف قريبًا معه وقفة قصيرة يقول وأمام عينيه عشرات من كتب السير والتاريخ التي تؤكد بالطرق الموثوقة بشاعة الأحداث التي تمت بأمر يزيد وبفعله المباشر لبعضها. يقول في باب اللعن من كتابه إحياء العلوم:
فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين، أو أمر به، قلنا هذا لم يثبت أصلًا فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت، فضلًا عن لعنه، لأنه لا يجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق، إلى أن قال: فإن قيل: أن يقال " قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله " قلنا: الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله (2).
بربك أيها القارئ هل تملك أعصابك وأنت تسمع مثل هذا الكلام يصدر من مثل هذا الشخص؟. هل كل كتب السير والتاريخ عند المسلمين والتي نصت على صدور هذه الأحداث أمرًا ومباشرة من يزيد كلها لا تثبت أفعال يزيد ولا تدينه؟! وعنده أن يزيد وأمثاله من قتلة الأنبياء وأبناء الأنبياء ممن يوفقون للتوبة؟!
إن كل وسائل الإثبات لا تثبت إدانة يزيد عند الغزالي، ولكن يثبت عنده من طيف رآه أنه رأى الله تعالى واجتمع به ووضع يده بيده وحادثه وأفاض عليه من نوره (3).
يقول صاحب مفتاح السعادة: إن أبا بكر النساج ألحد الغزالي في قبره وخرج متغير اللون فسألوه عن ذلك فقال: رأيت يدًا يمنى خرجت من تجاه القبلة وسمعت مناديًا ينادي ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين (4) إن أمثال هذه المواقف تثبت بوسائل إثبات من هذا النوع ولكن كتب التاريخ كلها لا تشكل وسيلة إثبات في إدانة يزيد!... ويصل الأمر إلى رمي آل البيت بالشذوذ فضلًا عن عدم ترتيب الأثر على شتمهم فيقول ابن خلدون في المقدمة: وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح وعلى قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية.
يقول ذلك ونصب عينيه أحاديث النبي (ص) في أهل بيته كما رواه ابن حجر بصواعقه (5) " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فانظروا من توفدون " ونصب عينه أيضًا ما قاله النبي (ص) كما رواه الحاكم في المستدرك:
" ومن أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني بها ربي وهي جنة الخلد فليتول عليًّا وذريته من بعدي فإنهم لم يخرجوكم من هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة (6) ".
ومع ذلك كله فأهل البيت شاذون مبتدعون في نظر الشعوبي ابن خلدون إني والله يعلم إذ أورد أمثال هذه المقاطع إنما أريد وضع اليد على الدملة التي أهلكنا التهابها عبر السنين. إن أمثال هذه المواقف إنما تعمق جذور الخلاف فيكون التنفيس عنها سلبيًّا أحيانًا. إن كتاب المسلمين مسؤولون عن شجب هذه المواقف التي رحل واضعوها وبقيت مصدر بلاء على المسلمين. وإن مما يبعث على الاستغراب أن يسكت علماء وكتاب المسلمين على أقوال ابن خلدون وأمثاله مع قيام الأدلة على أن آل محمد هم الامتداد المضموني لمحمد صلى الله عليه وآله.
بالإضافة إلى ذلك كله إن السنن التي تروى عن طريق أهل البيت (ع) لا يعمل بها بينما يعمل ببدع واستحسانات وردت عن طريق غيرهم خذ مثلًا مسألة الأذان الذي حذف منه فقرة حي على خير العمل مع ثبوتها وأنها جزء من الأذان بطرق مختلفة يقول صاحب مبادئ الفقه في هذا الموضوع ما يلي:
كيفية الأذان هي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدأن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
هذا هو الأذان الذي اتفق البصريون والكوفيون على كلماته، وتبعهما الشاميون والمصريون ومذاهب الحجازيين والزيدية والمالكية إلى أن كلمة الله أكبر في أول الأذان مرتان لا أربع وعليه عمل أهل المدينة وأما " الصلاة خير من النوم " فليست من الأذان الشرعي: ففي تيسير الوصول عن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائمًا فقال: الصلاة خير من النوم فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح. ولذلك قال أبو حنيفة: هذه الجملة تزاد بعد إكمال الأذان لأنها ليست من السنة.
أما " حي على خير العمل " فمذاهب العترة أنها بين حي على الفلاح وبين الله أكبر، " دليلهم في ذلك من كتب السنة ما يلي: روى البيهقي في سننه أن علي بن الحسين زين العابدين كان يقول إذا قال حي على الفلاح حي على خير العمل ويقول هو الأذان الأول.
وأورد في شرح التجريد مثل هذه الرواية عن ابن أبي شيبة ثم قال: وليس يجوز أن يحمل قوله " هو الأذان الأول " إلا على أنه أذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزاد رواية أخرى عن ابن عمر: أنه ربما زاد في أذانه حي على خير العمل، وأورد البيهقي هذه الرواية عن ابن عمر أيضًا.
ونقل ابن الوزير عن المحب الطبري الشافعي في كتابه إحكام الأحكام ما نصه: ذكر الحيعلة بحي على خير العمل عن صدقة بن يسار عن ابن أمامة سهل بن حنيف أنه كان إذا أذن قال: " حي على خير العمل " أخرجه سعيد بن منصور، وروى ابن حزم في كتاب الإجماع عن ابن عمر: أنه كان يقول " حي على خير العمل ".
وقال علاء الدين مغلطاي الحنفي في كتاب التلويح شرح الجامع الصحيح: ما لفظه: وأما حي على خير العمل فذكر ابن حزم أنه صح عن عبد الله بن عمرو وأبي أمامة سهل بن حنيف أنهما كانا يقولان في أذانهما " حي على خير العمل " وكان علي بن الحسين يفعله وذكر سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح العضدي على مختصر الأصول لابن الحاجب أن حي على خير العمل كان ثابتًا على عهد رسول الله وأن عمر هو الذي أصر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة.
وقال ابن حميد في توضيحه: وقد ذكر الروياني أن للشافعي قولًا مشهورًا بالقول به، وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أن حي على خير العمل كان من ألفاظ الأذان.
قال الزركشي في البحر المحيط: ومنها ما الخلاف فيه موجود كوجوده في غيرها، وكان ابن عمر عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان والقول فيه حي على خير العمل (6) وبعد كل ما ذكرناه وما ورد في هذا الفصل المدعوم بروايات صحيحة في طرق أهل السنة فلماذا يا ترى لا يعمل بما ورد عن آل محمد وبطريقهم من السنن الصحيحة مع أنهم محال رحمة الله وبيوتهم مهابط وحيه وصدورهم عيبة علم النبي ألا يبعث هذا على الدهشة؟
في حين نرى من غيرهم أحكامًا لا تلتقي بحال من الأحوال مع المدارك السليمة ومع ذلك يؤخذ بها وتعتبر مدركًا من المدارك فعلى ماذا تحمل هذه الأمور إن لم تحمل والعياذ بالله على البعد عن آل محمد وهم عدل الكتاب بنص النبي عليه السلام خذ مثلًا: ما ذهب إليه بعض فقهاء السنة من أن الإنسان إذا ترك الصلاة عمدًا لا يجب عليه قضاؤها أما إذا تركها نسيانًا فيجب عليه قضاؤها (2) وأعتقد أن ذلك يخرج على رأي من يقول إن الكافر لا يكلف بالفروع، وحيث إن التارك عمدًا يمكن أن يكون تركه لها لعدم الإيمان بها أساسًا فهو كافر ومهما يكن فإن هذا من الفروع البعيدة. عن روح الأحكام الصحيحة.
ــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب لابن حجر ج 2 ص 347.
(2) إحياء العلوم ج 2 ص 276.
(3) أنظر الغدير للأميني ج 11 ص 161.
(4) المصدر السابق نفس الصفحات.
(5) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 128.
(6) مستدرك الحاكم ج 3 ص 148.
(6) نقلت هذا الفصل من كتاب مبادئ الفقه لمحمد سعيد العوفي ص 52 طبع دمشق الثالثة 1977 (2) نيل الأوطار للشوكاني ط مصر 1952 ج 2 ص 27.
(٤٨)
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان