... لنتوجه إلى «السير الأنفسي» ونخرج من «العالم الكبير» لنغوص في تفاصيل «العالم الصغير» الذي يتلخص فيه العالم الكبير (على حدّ تعبير أمير المؤمنين علي عليه السلام):
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير
وَفِيكَ انطوى العَالَمُ الأَكبَرُ «1»
إنّ بناء وجود الإنسان بدوره يتمثّل في منظومة وتشكيلة دقيقة جدّاً، وفي غاية من التعقيد بحيث تتوفر فيها جميع الأمور الضرورية للإدارة الصحيحة، وتمثّل النموذج الأعلى للتشكيلة المنسجمة في المجالات كافة.
إنّ التشكيلات المحيّرة للعقول والمنظومات الدقيقة تتضمن الأقسام التالية:
1 - مركز الإدارة
2 - المدراء على اختلاف مراتبهم
3 - الأدوات التنفيذية
4 - الدوافع المحركة
5 - التخطيط والتنظيم
6 - الضبط والتنسيق و...
بحيث إنّ هذه التشكيلات لو انقطعت من التدبير والمديرية لحظة واحدة، فإنّ الإنسان يواجه الموت وستكون فيها نهاية حياته، أو على الأقل سيعيش المرض والظروف الصعبة.
ومن أجل التوفر على اطّلاع ومعرفة بالأصول الصحيحة لهذه التشكيلات ومسألة التنظيم، والضوابط التي ينبغي توفرها في عملية الإدارة والقيادة، فلا طريق أفضل من الاستفادة والاقتباس من هذين العالمين في عملية التنظيم «العالم الكبير والصغير» وبذلك نحقق ونجسد المفهوم القرآني العميق في قوله تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» «2».
إنّ وظيفة الإنسان الموحد والملتزم هي أن يتعرف على نفسه والعالم الذي يعيش فيه بالدرجة الأولى ويتطلع على الأصول والنظم الحاكمة على هذا العالم الواسع بما أمكنه، ويسعى إلى تطبيق هذه الأصول والضوابط في حياته الاجتماعية، لأنّ معرفة هذه النظم والأصول والسنن للنظام الكوني تعتبر رمزاً للنجاح والتوفيق في النظم التشريعية.
إنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش في هذا العالم بشكل غير منسجم مع المنظومة الكونية ويكون بشكل رقعة غير متجانسة مع عالم الوجود، وكلما ابتعد عن «النظام» و«التشكيلات» و«الإدارة الصحيحة» فإنّه سيواجه خطر الفشل والإخفاق والفناء.
ولو تجاوزنا كل ذلك فإنّ من خصوصيات حياة الإنسان أنّه يتحرك في جميع أعماله ونشاطاته المهمّة في إطار جماعي ويتفاعل في عمله مع الآخرين في عملية تواصل مستمر، وعلى ضوء ذلك لا تكون نتيجة فقدان النظم والتدبير سوى الفوضى والهرج والمرج والانفلات واستنزاف الطاقات والإمكانات المتاحة.
لو افترضنا أنّ جميع الإمكانات والوسائل اللازمة في حياة الإنسان بمثابة «جسم»، فإنّ الإدارة الصحيحة بمثابة «الروح» لذلك الجسم، ومع فصل هذه الروح سوف لا يبقى أمامنا سوى بدن متعفن لا يصلح للحياة.
ويشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى دور المدير والقائد في المجتمع من خلال تشبيهه بالخيط الذي يربط جميع الأجزاء والقطع الصغيرة لهذا العقد ويجعل منها تشكيلة واحدة ومنتظمة ومترابطة، فلو انقطع ذلك الخيط فإنّ الأجزاء والقطع سوف تتناثر وتفقد وحدتها وانسجامها.
قال الإمام علي عليه السلام: «وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ، فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً» «3».
«الإدارة».. تمنح القوى المختلفة في المجتمع، «الجهة والاتجاه» وكذلك «الدافع والمحرك» و«النظم والانتظام» و«الضبط والانضباط» و«الانسجام والتجانس»، وهذه الأصول والمبادىء هي التي تقف وراء كل عمل منتج ومثمر في حركة الحياة والإنسان. وعلى ضوء ذلك يتبيّن مغزى ما ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي أوصى بها أبناءه وأهل بيته في آخر لحظات حياته المباركة، حيث تصلح أن تكون نموذجاً وأصلًا أساسياً لحياة جميع أتباع هذا الإمام الذي أوصى بهذه الوصية وهو على فراش الشهادة: «أُوصِيكُمَا، وَجَمْيِعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللَّهِ، وَنَظْم أَمْرِكُمْ» «4».
وهذا ما نراه أيضاً في المفهوم القرآني في سورة النور عندما يتحدّث عن المؤمنين الحقيقيين ويقول: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ...» «5».
وهذه الآية تبيّن في مضمونها الدستور الذي يتولّى عملية ضبط التشكيلات بما يؤكد مسألة إعمال الإدارة ويعكس في طياته عملية الإشراف على مسألة «الحضور والغياب».
وجاء في الآية اللاحقة: «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» «6».
فهذه إشارات أخرى في المضامين القرآنية على مسألة الانضباط الناشئ من الإدارة ونظام التشكيلات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام
(2). سورة الذاريات، الآيتان 20 و 21
(3) . نهج البلاغة ، الخطبة 146
(4). نهج البلاغة ، الرسالة 47 .
(5). سورة النور ، الآية 62 .
(6). سورة النور ، الآية 63 .
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته
الأسرة الدافئة (1)
جنة عدن
القرآن كتاب كامل ودائم ومستقلّ في دلالته
الولادة الميمونة لفاطمة (عليها السلام)
السيّدة الزّهراء: تحفة سماويّة الملامح
تطوّر اللّغة واضطراباتها، جديد المترجم عدنان الحاجي
القرآن وخلق العالم
مفهوم العبادة وحدّها