لا علاقة مباشرة وضروريّة بين المعجزة والوحي، فقد يُوحى لإنسان ولا تكون له معجزة، فالمعجزة ليست مرتبطة منطقيّاً بمبدأ الوحي أو بمبدأ النبوّة أو غيرهما، إنّما يأتي دور المعجزة بوصفها عنصراً من عناصر إثبات نبوّة شخص أو إمامته أو مقامٍ له عند الله، عندما تكون هناك حاجة لعمليّة الإثبات هذه للآخرين، فليس كلّ من يوحى إليه يلزم أن تكون له معجزة، بأيّ معنى من المعاني أخذنا مفهوم الوحي؛ لأنّ الوحي علاقة بين الله والإنسان، فيما المعجزة الإثباتية هي علاقة بين الإنسان (النبي...) وسائر الناس، من حيث عنصر إثبات ارتباط النبي بالله تعالى وقوله فيما يقول عن الله سبحانه.
ووفقاً لذلك، لا يوجد أيّ مانع منطقي من أن تثبت لشخص معجزة ولا يكون أيضاً ممّن يوحى إليه، فقد يمنح الله إنساناً معجزةً ولو كانت هذه المعجزة ممّا لا يعلم به أحد، ولم يكن هذا الشخص نبياً أو وصيّاً، فربما يكون هناك مؤمن صادق فقير يرزقه الله مالًا عبر وضع يده على التراب ليصبح ذهباً، إنّه لا يوجد شيء يُثبت استحالة هذا الأمر من الناحية الذاتية، وإنّما تحدّث علم الكلام الديني عن ربط المعجزة بالوحي من زاوية أنّ مدّعي الارتباط بالله - عبر النبوّة أو نحوها - لا يمكن أن يمكّنه الله من المعجزة ليقيمها للناس دليلًا على نبوّته الكاذبة، لأنّ هذا التمكين فيه - من وجهة نظر المتكلّمين المسلمين - تغرير من الله للجاهلين وإيقاع لهم في الفساد والضلال والانحراف، ومن ثمّ فعلم الكلام لا يُمانع - أوّليّاً - أن تصدر معجزة من شخصٍ غير نبيّ، لكنّه يمنع عن صدور معجزة من نبيّ كاذب يريد بالمعجزة المُظْهَرَة له أن يثبت نبوّته الكاذبة.
وهذا كلّه يعني:
1- إنّه لا يوجد تلازم قهريّ بين الوحي والمعجزات، فقد يوحى لشخص لا معجزة له، وقد يملك شخص إعجازاً ويكون ممّن لا يُوحى إليه، ولا يوجد دليل حاسم على منع ذلك. نعم، إثبات وقوع ذلك في الخارج يحتاج إلى دليل؛ لأنّ الإمكان لا يُثبت الوقوع، على خلاف الوقوع، فإنّه يثبت (الإمكان العام) بحسب الاصطلاح الفلسفي والمنطقي، كما هو معروف.
نعم، يرى علم الكلام أنّ هناك تلازماً قهريّاً ذاتيّاً بين المعجزة وعدم كون البشر (جميعاً أو المعاصرين على الأقلّ لزمن صدورها أو خصوص من صدرت منه، على الخلاف الكلامي في هذه الأمور) قادرين عليها بتمام خصوصيّاتها، من حيث قدرتهم البشريّة الأوّلية القائمة على قوانين الطبيعة.
2- المعجزة (في باب إثبات النبوات) ليست علاقة بين الله والنبيّ فقط، ليكون الوحي هو العنصر المبرّر لها والمُلزِم بها، بل هي علاقة إثباتية بين النبي وسائر الناس، ليكون ادّعاء النبوّة ودعوة الناس لاتباع النبي هو الأساس في دور المعجزة في إثبات النبوّات.
3- ما قلناه هو من حيث المبدأ الأوّلي للموضوع على مستوى الوعي العقلي له، لكن قد تفيد النصوص منع صدور نوع من المعجزات للبشر جميعاً غير هذا النبي أو ذاك، مثل المعجزة القرآنيّة، فإنّها - وفقاً للنصّ القرآني - يفترض عدم إمكان إتيان أحد بها على الإطلاق، فهي معجزة محظورة على البشر، ما لم يدّعِ أحدٌ النبوّة ويكون إتيانه بمثيل للقرآن هو المعجزة الدالّة على نبوّته، كما دلّ الأصل على نبوّة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ لأنّ ما نفته الآيات وتحدّت به هو قدرة البشر على الإتيان بالقرآن من حيث هم بشر، أمّا قدرتهم من حيث تمكين الله لهم استثنائيّاً - كما يمكّن سائر الأنبياء استثنائياً لحصول المعجزة على أيديهم - فهو غير ممنوع، فلو فرض أنّ شخصاً - بصرف النظر عن مسألة خاتميّة النبوة المحمديّة - ادّعى النبوّة، وأتى بمثل القرآن كتاباً معجزاً، لكان ذلك دليلًا على نبوّته؛ ولا يكون ذلك نقضاً على كلام القرآن الكريم في أنّه لا يأتي البشر بمثله؛ لأنّ كلام القرآن يراد منه تحدّيهم في قوّتهم الطبيعيّة، لا تحدّيهم في ظرف المساعدة الإلهيّة الاستثنائيّة لهم كما هو واضح.
وقد يقال: لأنّ النبوات قد ختمت فسوف يكون هذا الكلام فرضيّاً فقط، ومن ثم فمعجزة مثل القرآن يفترض أن لا يأتي أحدٌ بمثلها؛ لا لأنّ غير النبيّ لا تجري المعجزة على يديه، بل لخصوصيّة المعجزة القرآنية من حيث إخبار الله لنا أنّها لن تجري على يد البشر، والمفترض أنّه لا نبيّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. فإمكان أن يمكّن الله شخصاً من الإتيان بمثل القرآن وارد، لكنّ ختم النبوّة يكشف عن عدم التمكين، والمفروض أنّه من دون التمكين الاستثنائي لن يأتي أحدٌ بمثل القرآن الكريم. وعليه فلن يتمكّن أحد من أن يأتي بمثل القرآن، ولا يمكن أن يدّعي ذلك شخص ويقول بأنّ هذا من عندي، وأمّا أن يدّعي ذلك ويقول بأنّ الله أوحى ذلك إليّ، فهو غير مستحيل بلحاظ خصوصيّة المعجزة، بل سيكون ذلك مُثبتاً لصدقه، وإنّما ينفونه بملاحظة خصوصيّة ختم النبوّة، وهذا يتبع النظريات في معنى النبوّة وختمها، ويمكن مراجعتها في محلّه...
وهذا كلّه، بخلاف معجزة تحوّل العصا إلى ثعبان، فإنّه لا يوجد في النصّ ما يمنع أن يصدر ذلك من غير موسى عليه السلام، كأن يصدر من أحد الأنبياء أو الأوصياء الآخرين، وصدور هذه المعجزة على يد غير النبي موسى لا ينفي نبوّة موسى نفسه؛ لأنّ إعجاز المعجزة لا يتقوّم بتفرّد صاحبها بها، بل بفرض عدم القدرة البشريّة عليها دون التمكين الاستثنائي، أو بفرض عدم قدرة ذاك النبي وأهل زمانه عليها بحسب الظروف الموضوعيّة (تبعاً للاختلاف الموجود في هويّة المعجزات وقدرتها الإثباتيّة بين علماء الكلام).
ولابدّ أن أشير أخيراً إلى أنّ حقيقة الإعجاز - لا سيما إعجاز القرآن الكريم - وجوهره، موضوع خلافي كبير جداً بين علماء المسلمين، وطبيعة هذا الاختلاف تترك أثراً على بعض النتائج في الموضوع الذي نتكلّم عنه هنا، كما لو بُني على (نظريّة الصرفة) في موضوع الإعجاز، والتي اختارها بعض العلماء المسلمين.
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (7)
العلاقة بين المعجزة والوحي
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الزهراء.. الحزن الأبدي
ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
الصّحيفة الفاطميّة
السّعيد محاضرًا حول آليّات التّعامل الإيجابيّ مع الإنترنت والوسائل الرّقميّة
منتظرون بدعائنا
الشيخ صالح آل إبراهيم: ما المطلوب لكي يكون الزواج سعيدًا؟
آيات الأنفس الأولى