العامل الثالث
رؤية بعض الشيعة للإمام المهدي (عليه السلام)، كما حدثت به مجموعة من الروايات الأخرى، وهذه الروايات التي سأذكرها هي غير الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين. فرغم التعتيم الإعلامي بالنسبة إلى اسم الإمام وولادته (عليه السلام) الذي قام به الأئمة (عليهم السلام)، السلطة اطلعت من خلال إخبار النبي وأهل البيت أنه سوف يولد شخص من ذرية الإمام العسكري يملأ الأرض قسطًا وعدلًا وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة، إنهم كانوا مطلعين ويراقبون الأوضاع، كما اطلع فرعون على مثل هذه القضية وكان يراقب الأوضاع ويراقب النساء ويراقب القوابل، ونفس القضية اتبعها بنو العباس في زمان المعتمد العباسي، فكانوا يراقبون الأوضاع، ولذلك كانت القضية تعيش كتمانًا شديدًا من هذه الناحية.
حتى أن الإمام الهادي سلام الله عليه يروي عنه الثقة الجليل أبو القاسم الجعفري داود بن القاسم الرجل العظيم الثقة الجليل ويقول: سمعت أبا الحسن - يعني الإمام الهادي (عليه السلام) - يقول: "الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟" فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: "إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه"، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: "قولوا الحجة من آل محمد".
على أي حال، رغم هذا التعتيم الإعلامي الذي حاول الأئمة (عليهم السلام) أن يقوموا به رأى الإمام المهدي (عليه السلام ) جماعة من الشيعة. ينقل الشيخ الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعًا عن عبد الله بن جعفر الحميري. وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة، فالشيخ الكليني معروف إذا حدث هو مباشرة بكلام يحصل من نقله اليقين، ومحمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من الثقات الأجلة الأعاظم، ومحمد بن يحيى العطار هو أستاذ الشيخ الكليني من الأعاظم الأجلة، فاثنان من أعاظم مشايخ الكليني الكبار ينقل عنهم، وعبد الله بن جعفر الحميري معروف بالوثاقة والجلالة.
يقول عبد الله بن جعفر الحميري: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة.... ولكن أحببت أن أزداد يقينًا، فإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن - يعني عن الإمام الهادي (عليه السلام) - قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون"، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) - يعني الإمام العسكري (عليه السلام) - عن مثل ذلك؟ فقال: "العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان"، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجدًا وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ - يعني من بعد العسكري - فقال: إي والله.... فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: الاسم؟ قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولدًا وقسم ميراثه... فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك".
فهل هذه الرواية قابلة للاجتهاد من حيث الدلالة ؟ إنها من حيث الدلالة صريحة، ويتمسك بها الأصوليون في مسألة حجية خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أن هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين - وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الإمام المهدي، بل بمناسبة حجية خبر الثقة - إذ هناك إشكال يقول إن هذه الرواية هي خبر واحد فكيف نستدل بها على حجية خبر الواحد؟ ما هذا إلا دور في هذا المجال، وكان السيد الشهيد يريد أن يثبت أن هذه الرواية تفيد اليقين، لأن الشيخ الكليني كلما ينقل ويقول: أخبرني، فلا نشك في إخباره، والذي أخبره هو محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار، وهما من أعاظم الشيعة لا نحتمل في حقهم أنهم كذبوا أو أخطأوا ويحصل القطع من نقلهما، وهما ينقلان عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من الأعاظم ، وهو ينقل مباشرة عن السفير الأول للإمام سلام الله عليه، والسفير يقول: أنا رأيت الخلف بعيني.
فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنه قد رئي الإمام صلوات الله وسلامه عليه. وهناك رواية أخرى تنقل قصة حكيمة بنت الإمام الجواد سلام الله عليه، وهذه القصة مشهورة، ولكن لا بأس أن أشير إلى بعض مقاطعها، وهي مذكورة في كتاب كمال الدين وغيره.
تنقل حكيمة: بعث إلي أبو محمد سلام الله عليه سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي علي وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو؟ قال: من سوسن - في بعض الروايات سوسن، وفي بعضها نرجس، وفي بعضها شيء آخر - وقلت أن هذه الاختلافات لا يمكن أن يتشبث بها شخص ويقول هذه الروايات مردودة لأنها مختلفة، فإن هذا ليس له أثر - فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلما صليت المغرب والعشاء أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة وأسبغت الوضوء، ثم عادت - يعني أم الإمام المهدي (عليه السلام) - فصلت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: "لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة"، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد ومما وقع في قلبي ورجعت إلى البيت خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسين شيئًا؟ قالت: نعم يا عمة إني لأجد أمرًا شديدًا، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزة شديدة ثم أنت أنة وتشهدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقيًا الأرض بمساجده.
ونقل الشيخ الطوسي أيضًا في الغيبة حديثًا ظريفًا فقال: جاء أربعون رجلًا من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الإمام العسكري ليسألوه عن الحجة من بعده، وقام عثمان بن سعيد العمري فقال: يا ابن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني، فقال له: اجلس يا عثمان، فقام مغضبًا ليخرج، فقال: لا يخرجن أحد، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا ابن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فإذا غلام كأنه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه".
والروايات في هذا الصدد كثيرة جدًّا، وحسبنا ما روي في رؤية الإمام الذي هو في الحقيقة يمكن أن يشكل مقدار التواتر.
العامل الرابع
وضوح فكرة ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بين الشيعة، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أن الشيعة من الزمان الأول كانوا يتداولون فكرة الإمام المهدي وأنه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أن الناووسية ادعت أن الإمام الغائب هو الإمام الصادق (عليه السلام)، ولكن بعد وفاة الإمام الصادق اتضح بطلان هذه العقيدة، والواقفية ادعوا أن الإمام المهدي الذي يبقى هو الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه، وألفت النظر إلى أن هذا لا ينبغي سببًا لتضعيف فكرة الإمام المهدي، بل بالعكس، هذا عامل للتقوية، لأن هذا يدل على أن هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الأوساط، ولذلك ينسبون إلى بعض الأئمة نسبة غير صحيحة وأن هذا هو الإمام المهدي أو ذاك.
وإذا راجعنا كتاب الغيبة للشيخ الطوسي نجده يذكر بعنوان الوكلاء المذمومين عدة، منهم: محمد بن نصير النميري، أحمد بن هلال الكرخي، محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وغير ذلك إلى عشرة أو أكثر من الذين ادعوا الوكالة والسفارة عن الإمام كذبًا وزورًا وخرجت عليهم اللعنة وتبرأ منهم الشيعة.
وهذا العامل أيضًا لا يكون سببًا لتضعيف فكرة الإمام المهدي وولادته وغيبته، بل هذا في الحقيقة عامل للتقوية، إذ يدل على أن هذه الفكرة كانت واضحة وثابتة، لذلك ادعى هؤلاء الوكالة كذبًا وزورًا، وخرجت البراءة واللعنة في حقهم. إذن هذا العامل الرابع من عوامل حصول اليقين بفكرة الإمام المهدي (عليه السلام).
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ حسين الخشن
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ جعفر السبحاني
السيد عباس نور الدين
الفيض الكاشاني
الشيخ علي آل محسن
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
شهر رمضان فرصة لا تعوّض، وغنيمة لا تفوّت
(مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)
فوائد معرفة إدارة الغضب في العمل
التفقه في الدعاء (9)
خديجة: الأنموذج الإنساني
الصدّيقة الكاملة
خديجة (عليها السلام) في كلمات بعض المؤرخين
أمّ المؤمنين خديجة: فخر الهاشميّات
البنى التحتية للثّورة الثقافيّة
درجات الصوم وآدابه