مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

الدور الحاسم للإمام عليّ (ع) في صناعة الثبات والشجاعة

يمتلك الغرب الكثير من الوسائل والأساليب التي يمكن أن تُخرج الشباب من ساحة المواجهة الحضاريّة، وتجعلهم أدوات لتحقيق مآربه. ورصيده الأكبر هنا يكمن في إخفاء ماهيّته وحقيقته، وإظهار نفسه كبديل أعلى لثقافتنا وديننا وقيمنا.

 

هكذا يحصل التغرّب، فيتحوّل الشاب من عنصرٍ مفيد لمجتمعه إلى عنصرٍ مساندٍ لعدوّه. فهل سمعتم عن خداع أكبر وأمكر من هذا الخداع على مدى التاريخ؟!

 

لا يخفي الغرب عداءه ولا نواياه حين يعتمد على تفوّقه الحضاري، لكنّ سلاحه الأوّل يتمثّل في صناعة الأتباع داخل الشعوب التي يسعى لاستعمارها. وهنا تبدأ معركة الوعي.

 

ليس من السهل إقناع الكثير من الشباب الذين ينشأون في بيئة مؤاتية للغرب بطبيعة هذا الغرب المتوحّش؛ خصوصًا حين يفتقد الشباب إلى أهم مقوّمات التواصل الفعّال مع تراثهم والتفكير العقلاني تجاه وقائع العالم والحياة.

 

بعض شعوب العالم أصبحت منيعة تجاه الاستعمار الغربي نتيجة رسوخ ثقافاتها المحلّيّة. حيث يعود الفضل بالدرجة الأولى إلى نجاحها في تثبيت لغتها، التي تصون ثقافتها وتراثها. فإذا كان النتاج الإعلامي والأدبي المحلّي قويًّا، فمن الطبيعيّ أن ينتج عنه انتماءٌ شديدٌ وتمسّكٌ بالتراث.

 

تصوّر لو أنّك تعيش في بلدٍ ينضح بالأدباء والشعراء والفنّانين، الذين يقدّمون لك تراثًا غنيًّا مفعمًا بالوطنيّة والتمسّك بالهويّة الذاتيّة؛ فمن المستبعد هنا أن تتغلّب هوليوود عليك بسهولة!

 

تصوّر لو أنّ شباب بلدك يتمتّعون بمستوًى مميّز من المهارات التحليليّة والقدرات العقلية، فمن المستبعد أن تتمكّن أدوات الإغراء الغربي من خداعهم وإخفاء الحقائق الكبرى عنهم.

 

لكنّ السؤال هنا هو: كيف يمكننا أن نرسّخ حضور لغتنا العربيّة في يوميّاتنا وفي تفكيرنا وفي مطالعاتنا، بحيث يصبح الارتباط بالقرآن وبالتراث الإسلامي الأصيل أمرًا سهلًا؟ وكيف يمكن أن نرفع من مستويات التفكير المنطقيّ عند شبابنا بحيث يمكنهم كشف كل أشكال التزييف والتضليل؟

 

فلا شك بأنّ تحقيق هذين الهدفين يقع بالدرجة الأولى على عاتق التربية التعليمية، التي تتركّز في المرحلة المدرسية. ولا يبدو لحدّ الآن أنّنا وُفّقنا لإعداد البرامج الفعّالة في هذا المجال. فنظرة سريعة إلى خرّيجي مدارسنا تظهر مدى الهوّة التي تفصلهم عن التراث القرآنيّ والنقص الفادح في القدرات التحليليّة المرتبطة بمعرفة الواقع والزمان والتحدّيات.

 

في هذا المجال قد يأتي شخصٌ واحدٌ لنجدتنا، نظرًا لما يتمتّع به من موقعية خاصّة في نفوسنا.. إنّه الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي يمثّل في شخصيّته كل معاني التفوّق الحضاريّ على مدى الأعصار، وذلك إلى الدرجة التي تتساقط معها كل المنجزات الحضارية التي قدّمتها البشرية عبر التاريخ.

 

ولو اجتمعت كل حضارات العالم وثقافاتها في مؤتمرٍ عالمي، وطُلب من كلّ واحدةٍ منها أن تقدّم صفوة شخصيّاتها وتعرض عظماءها، فلا شك أنّ الإمام علي سيحوز على المركز الأوّل بكل جدارة.

 

وبحمد الله فإنّ موقعية هذا الوليّ العاطفية راسخة في مجتمعنا وممتزجة في قلوب أبنائه إلى درجة مذهلة. ولا يمكن أن نجد من يشكّك بعظمة شخصيّته، حتى بين غير المتديّنين. لهذا، فإنّ هذا الرصيد العاطفي هو أحد أكبر عوامل قوّة الثقافة التي يمكن للإمام أن يقدّمها لنا.

 

إنّ رسوخ عظمة أي شخصية في أي مجتمع لهو من أصعب الأمور، ناهيك عن رسوخ محبّتها في القلوب. وقد قيل أنّ محبة عليّ بن أبي طالب ليست سوى فعلٍ إلهيّ خاصّ اقترن بصناعة الإيمان وترسيخه في القلوب. وقد جاء في كلام الإمام نفسه: "قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً (ع) يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا عَلَى الْمُنَافِقِ صَبّاً مَا أَحَبَّنِي؛ وَلَوْ ضَرَبْتُ بِسَيْفِي هَذَا خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ لَأَحَبَّنِي؛ وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَقُولُ يَا عَلِيُّ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ".[1]

 

أجل، إنّ لدينا مثل هذا الرصيد المعنويّ الذي لا مثيل له، ويمكننا أن نستفيد منه لتحقيق الهدفين المذكورين، فنضمن نشوء أجيال منيعة قوية رسالية.

 

في حياة أمير المؤمنين وسيرته كل ما يلزمنا لفهم العالم والتاريخ والمجتمع والمواجهات وأنواع المؤامرات والشخصيات والفتن والاختبارات التي تبلغ أعلى الدرجات. فلا شيء يمكن أن يحدث في حياتنا إلّا وفي سيرة الإمام نموذج راقٍ منه.

 

صحيح أنّ هذا الإمام قد وُجد على الأرض قبل أربعة عشر قرنًا، لكنّ التحدّيات التي واجهها منذ حداثة سنّه، بل طفولته، تعطينا صورة عميقة لكلّ ما يمكن أن يواجهه الإنسان في حياته. وقد استطاع أمير المؤمنين أن يبيّن بأجمل وأبلغ بيان كل القواعد والسّنن التي يحتاجها كل واحد منّا لفهم الحياة والمواجهات والفتن والابتلاءات. أضف إلى ذلك سيرته نفسها، التي تسطع كالشمس وسط كلّ السِيَر العظيمة لشخصيات التاريخ.

 

فالإمام صاحب سيرة غنيّة أشدّ الغنى. وقد انعكس هذا الثراء بفضل أنواع التحديات والمصائب التي واجهها. فأضحت هذه السيرة فائضة بالعِبر والدروس والمواقف الملهمة إلى الحد الذي يغنينا عن كلّ ما سواه.. وهكذا اجتمعت التجربة العميقة مع البيان الساحر لتقوم على صرح العلقة العاطفية المذهلة وتقدّم لنا أعظم نموذج ملهم للشباب في لجّة هذه الفتن العمياء.

 

ولو استطعنا أن نقدّم الإمام بكل أبعاد شخصيّته للأطفال والناشئة والشباب لتمكّنا من إظهار النموذج الأعلى الذي تصبح عنده كلّ الشخصيات الهوليوودية والنجومية كرمادٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. بحار الأنوار، ج39، ص 251.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد