كلّ من يتأمّل قليلًا في أحوال المجتمعات الاقتصاديّة والأمنيّة والمناخيّة والبيئيّة، يدرك أنّ هناك مشاكل كبرى يصل بعضها إلى حدّ التّهديد بالفناء والكارثة العظمى. هذا، بالرّغم ممّا يُقال عن بلوغ البشريّة شأوًا عظيمًا في العلم والمعرفة. وقد أطلق بعض المفكّرين على هذا العصر عصر العلم، باعتبار أنّ المجتمعات البشريّة باتت تلجأ إلى العلم والعلماء لحلّ مشاكلها أو تحقيق مآربها المختلفة.
لا شك بأنّ للعلم صروحًا جبّارة في معظم مناطق العالم، ويُقبل عليه أكثرية الناس، باعتباره وسيلة للعيش أو بلوغ المنى؛ وهذا أمر لم يكن مشهودًا عبر تاريخ العالم.
فأين تكمن المشكلة؟ ولماذا لم تتمكّن هذه الحركة العلميّة الهادرة من إيقاف هذه التدهور الذي يشمل جميع مناحي الحياة؟ فنحن لا نطالب هذه الحركة بإقامة الجنّة على الأرض، لكنّنا نطالبها بالحد من هذه الكارثة على الأقل.
ورغم تسارع التطوّر التكنولوجيّ، فإنّنا نشهد تراجعًا ملحوظًا على صعيد تقديم الأطروحات والأيدولوجيّات الواعدة. ويعتري أهل العلم حالة من اليأس والإحباط تجاه الأطروحات السّائدة. ولعلّنا نستطيع أن نقول أنّ الأطروحة المهيمنة على أذهان الأكثريّة السّاحقة منهم باتت أطروحة التّعايش مع الباطل والفساد والظلم والخطأ!
أجل، لقد استنفد الغرب كل إمكاناته الفكريّة والذّهنيّة فيما يتعلّق بتقديم الرؤية الكونيّة التي تعدنا بالحياة السّعيدة والمجتمع المثالي. وأصبحت أكثر الإنجازات العلميّة في هذا المجال أشبه بتعليق على تعليق، أو حاشية على حاشية، للمتن والنص الأصلي الذي انطلق منه منذ بداية "عصر العلم"!
هذا حال الغرب ومن معه في معظم مناطق العالم. ولكن ماذا عنّا نحن الذين نؤمن بضرورة الانطلاق من أسس مغايرة تمامًا لأسس الغرب المادية التجريبية! فنحن أتباع الوحي، وقد شهدنا تجربة رائعة قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا ما زالت ملهمًا أساسيًّا للكثيرين منّا.
نحن نؤمن بأنّ هذه التجربة الرّساليّة كانت خطّة إلهيّة ونتاجًا للاتّصال بالسّماء والاستفاضة من وحي ربّ الأرض والسّماء. ونؤمن بأنّ هذه التّجربة قد بدأت لتحقّق كل أهدافها الكبرى بإصلاح العالم وتبديل الأرض وإقامة حكومة العدالة والفضيلة والسعادة الكبرى. ومن المفترض أن يدفعنا هذا الإيمان للبحث عن هذه الأطروحة واكتشافها وتقديمها للعالمين مشفوعة بالتجربة الحيّة والتّطبيق الناجح. فما الذي حدث؟ ولماذا تأخّرنا إلى هذا الحد؟!
إنّ المشكلة تكمن بالدّرجة الأولى في ساحة أهل العلم، الذين ينبغي أن يكونوا وسطاء وحي السماء ومعارف الدين والناس: كما في قوله تعالى:{وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيدًا وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وإِنْ كانَتْ لَكَبيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيم}.[سورة البقرة، 143]
فعلى ما يبدو لم يحسم أهل هذه السّاحة قناعاتهم بشأن الخطوة الأولى للاتّصال بمصدر العلم الصّافي الذي ينبغي استنباط هذه الأطروحة الكبرى منه. وما زال العديد منهم غافلين عن هذه القضيّة أو متوجّهين إلى مصادر أخرى. أمّا المؤمنون بهذا المصدر، فلم يحسم العديد منهم قراره بشأن الخطوة الأولى!
فإذا دخلت إلى ساحة العلوم الإنسانيّة، التي هي أهم ساحة تُناقش فيها الرؤى وتُدرّس الأطروحات، لوجدت أنّها ساحة مرتبكة في تعاطيها مع قضيّة العلم، ويسودها اتّجاه قويّ لتغليب آلية استكشافيّة بحثيّة واحدة، وهي منهج التّجربة والاستقراء. وهذا ما يمكن أن نعبّر عنه بروح الاستقلاليّة والتنكّر لقضيّة الوحي.
وفي المقابل، ترى في خصوم هذه السّاحة من يشن حربًا شعواء على المنهج الاستقرائيّ والتّجريبيّ من دون أن يقدّم البديل؛ فيحوّل المشكلة إلى الصّراع بين أهل العلم الذين يفترض أن يكونوا يدًا واحدة وجسدًا واحدًا ومجتمعًا متكاتفًا.
أجل، إنّ مشكلتنا الأولى، كمحبّين ومعتقدين ومتأثّرين بتجربة الرّسالة والوحي، هي أنّنا جعلنا الصّراع فيما بيننا قضيّتنا الأولى. وأصبحت قضيّة اختيار المنهج الوحيد قضيّتنا الكبرى.
ونحن نقول، وما الضير فيما لو كان هناك عشرات المناهج البحثيّة الاستقرائيّة والتجريبيّة والاجتهاديّة والشهوديّة والعقليّة والفلسفيّة و.. وفسحنا المجال لكلّ باحث أو صاحب رأي أن يبدي رأيه ويقدّم حلّه، سواء فيما يتعلّق بمشكلة الفقر والبطالة أو قضيّة الماليّات والبنوك أو قضيّة الأمطار والبيئة والبلاستيك، أو أي قضيّة أخرى.
فهل يضر أهل الحقّ أن يسمعوا الآراء الشاردة والأفكار الضعيفة، فيما لو كانت مطروحة في أجواء مفعمة بالمحبّة والتسامح والمشاركة والإصغاء والتبادل؟! وهل تظنّون أنّ الله تعالى يحصر الحقّ في شخصٍ واحد أو منهجٍ فارد؟
فلو شاء الله لأرى ملِكًا جاهلًا منامًا ينجي به شعبه من الإبادة! ولو شاء الله لجعل العلم في رجل لا يراه النّاس!
فليست المعضلة العلميّة في قلّة الأفكار وندرة الحلول، بل هي في تعاطينا السلبيّ وفي مشاكلنا النفسيّة، التي لا تسمح ببناء تجربة علميّة رائدة قائمة على التناصح والتسامح.
أجل، لقد شاهدت الكثير من أهل العلم وهم ينظرون إلى العالم وقضاياه من مواقعهم العلميّة ومقاماتهم الاجتماعيّة، ولا همّ لهم سوى أن يسودوا ويكونوا أصحاب الرأي النهائيّ. فتشوا عن عقدة العالم في هؤلاء، ولا تظنّوا أنّ الله تعالى يحرم عباده من العلم الذي ينجيهم وهم يبحثون عن سبيل النجاة.
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عدنان الحاجي
جاسم بن محمد بن عساكر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
جسد على حبل غسيل
العدد السّابع والثّلاثون من مجلّة الاستغراب
كلمة موجزة حول الجمال
سعة الصدر
معنى الإمامة في قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماماً)؟
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾
معضلة العلم الكبرى
علي آل قمبر يتوّج بجائزة بودلير للشّعر في إيطاليا
الفنّانة التّشكيليّة إيمان الجشّي، تشارك في معرض World Art Dubai
إله فلسفة الدين والله الموحي في الفلسفة الدينيَّة