تساؤلاتٌ مشروعة
في الحقيقة، نحن نواجه هنا مظاهر وتساؤلات على صعيد موقف الدين من هذه الظاهرة، وسوف نحاول أن نمرّ عليها باختصارٍ شديدٍ يتناسب ومجال الكلام، أهمّها:
1ـ هل يعترف الدين من حيث المبدأ بهذا الحب «المراهقي» إن صحّ التعبير؟ وهل يقدّم له تفسيراً معيّناً؟
2ـ كيف يمكن التوفيق بين اعتراف الدين بهذا الحبّ وبين سلسلة القوانين والأحكام الصارمة التي يتّخذها الدين من موضوعة العلاقة بين الرجل والمرأة كالاختلاط، والزنا، واللمس، والقبلة، والمصافحة، والمزاح، والستر والنظر…؟
وبعبارةٍ أخرى هل نواجه عند اعتراف الدين بهذا الحبّ نوعاً من الإفراغ له، أي أنّ الدين يعترف بالحبّ هذا لكنه يصيغه بشكلٍ قد يسلخه عن طبيعته، قناعةً منه بأنه ـ بذلك ـ يربأ به عن الانحراف؟
أما فيما يخصّ التساؤل الأوّل فلا يوجد بأيدينا ما يمنحنا القناعة برفض الدين لهذه الظاهرة ـ بقطع النظر عن تصوّره المفهومي لها وتقنينه الأخلاقي ـ فليس ثمّة نصٌّ من كتابٍ أو سنّةٍ ينهى عن ذلك، ولا نهدف من ذلك الدخول في دراسةٍ فقهيةٍ قانونيةٍ تشريعيةٍ مما لا مجال له فعلاً، لكنّنا نسعى إلى تلمّس الإجابات من خلال المرور عليها انطلاقاً ـ على الأقل ـ من فتاوى الفقهاء المسلمين أنفسهم.
لكن القضيّة الأهم تكمن في التصوّر الديني للحبّ ـ ما دمنا لا نحكي عن علاقةٍ زوجيّةٍ ـ فعلى سبيل المثال إذا قرأنا ـ بالتحليل اللغوي ـ التعبير الغربي لظاهرة الجنس، سنلاحظ أنّ واحداً من هذه التعابير هي كلمة Lovemaking وأمثالها؛ أي أن ممارسة الحب تعبيرٌ يراد به العملية الجنسية، وهذا معناه أنّ هناك نوعاً من الإسقاط للجنس على الحبّ، أي أنني أسقط مفهوم الجنس على مفهوم الحبّ فيتمازج المفهومان، بيد أن هذا الأمر غير موجودٍ في اللغة العربية؛ فكلمة حبّ في هذه اللغة المنصهرة ــ لاحقاً ــ بالدين الإسلامي لا تحكي عن أيّ مدلولٍ جنسيٍّ مشبع، وبالتالي فهي خالية وعارية عن هذا الإسقاط بحسب تراثها، وإن كان هذا التعبير قد بدأ بالرواج في اللغة العربية الحديثة ربما نتيجة تأثّرٍ خاطئٍ بالغرب.
إنّ هذا الفصل الحاصل بين الجنس والحبّ يرشدنا إلى نوعيّة ما يسمّى بالحب العذري، إن وافقنا على هذا التعبير بلحاظ تقسيمه الحبّ إلى عذري وغير عذري، فالحبّ البعيد عن الجنس هو ذاك الحب الذي لا يختزن أيّ ضغطٍ جنسيٍّ غرائزيٍّ بعيداً عن ادعاء بعض علماء النفس وعلى رأسهم سيغموند فرويد بأنّ كل مظاهر الحب بكل أنواعه فضلاً عن مظاهر سلوكية أخرى إنما تحكي عن الغريزة الجنسية، كما وبعيداً عن التوجّس ـ المبرّر إلى حدٍّ بعيد ـ من تغطية الدافع الجنسي بعناوين بريئة لدى بعض الشباب المراهق.
إنّ ـ الحب بمفهومه المشروع دينياً ــ هو ذاك الحب الذي لا يستبطن نزعةً غرائزيةً، أو دعونا نقول ـ تسهيلاً للأمر ـ هو ذاك الحب الذي لا تبدو في الوعي علامات جنسيّة فيه، بعيداً عما يرسخ في أعماق اللاوعي البعيد.
وأمّا بالنسبة للتساؤل الثاني ـ وهو التساؤل الأكثر جدّيةً ـ فيمكننا سريعاً إبراز تصورات عاجلة وأوّلية حوله أهمّها:
1ـ من الضروري التفريق ما بين الموروث الاجتماعي والموروث الديني، فالموروثات الاجتماعية ـ سيما في الوسط العربي الحسّاس جداً إزاء المرأة ـ عادةً ما تكون أكثر تحديداً وتشدّداً من الدين والموروثات الدينية إلى درجة أن الاجتماع الإسلامي لم يتقبل حتّى اليوم ظواهر دينية واضحة الثبوت ومتأكّد منها جداً من قبيل الزواج المؤقت، وخروج الفتاة البالغة من بيت أهلها من غير إذن والدها حتى لو كان ذهابها إلى المسجد، أو حتى بعض أنواع الاختلاط الجائز شرعاً لكنه لدى بعض الشرائح منبوذٌ جداً و…
إن وظيفة الجيل المؤمن الصاعد هي إخضاع مظاهرنا الاجتماعية للدين دون العكس سواء كانت مظاهرنا الاجتماعية مغطّاةً بستار الاحتياط أو مكشوفةً على التحليل والتفلّت لا فرق في هذا المستوى ومن هذا الجانب، بيد أن هذه الوظيفة ليست راديكاليةً ثورويةً تربك مسار التحوّل الطبيعي للأمور وتحرق المراحل بدافع العجلة والحماس كما يحصل كثيراً، بل هي ـ ويجب أن تكون ـ توفيقيّة تدرّجية مرحلية لا تعيق باهتزازاتها حركة النمو والتنمية الاجتماعية السليمين، كما ولا تفسح المجال لإفراطيات قاتلة…
ومن هنا يلاحظ أن عوائق الموروث الاجتماعي على صعيد مسألة العلاقة العاطفيّة بين الشاب والفتاة، هي أكبر من العائق الديني، وإصلاح هذه التقاليد بطريقةٍ سليمةٍ تأخذ الدين وقيَمَه عنواناً لها يمكنه أنّ يُساهم في إصلاح حيّزٍ كبيرٍ من نشاطاتنا العاطفية، وهي نشاطاتٌ إذا ما صحّت تترك آثاراً كبيرةً على كافّة مرافق حياتنا وعلى مختلف نشاطاتنا وفعالياتنا وإنتاجياتنا.
2ـ لكي ينسجم الدين وذاتَه في حذره من الانحراف الأخلاقي الجنسي الذي يتسبّب في مفاسد اجتماعية عديدة ليس مجال بحثها هنا، يُصبح مضطراً لقوننة العلاقات العاطفية للمراهقين حتى لا تتحوّل الجوانب العاطفية إلى جوانب جنسية كما حصل في الغرب، فبدلاً من تقزيم وتحجيم العاطفة في الإطار الغرائزي وسعياً لتهذيبها وتشذيبها من الانحرافات الأخلاقية يضع الدين مجموعة محدّداتٍ تربويةٍ وأخلاقيةٍ وعلاقاتيةٍ؛ فيحرّم الزنا وينهي عن تغليب الطابع الجنسي على ظاهرة الحبّ من خلال فسح المجال لعناصر مثيرة تحرف العاطفة عن مسارها، من قبيل لحن المرأة بالكلام لإمالة قلب الرجل، أو التزيّن والسفور الموجبين لطفو الطابع الجنسي على الفتاة، أو طريقة الكلام والمزاح والتفاعل التي تجمّد من فعاليات الصدق العاطفي لتتجه بالطرفين إلى تفكيرٍ حيوانيٍّ غريزيٍّ لا نحتقره وإنما ننبذ فوضاه.
إنّ وضع هذه الحدود ـ دون الدخول في تفاصيلها، ودون الدخول في الآليات الميدانية لبناء هذا النوع من العاطفة ــ يمكنه أن يصنع في كياناتنا خلاّقيات عاطفية بعيدة نسبيّاً عن حضور الجنس وممارساته، كما هو الحاصل غربياً، ويدفع نشاطاتنا الذوقية ورومانسيّتنا الدينية نحو أحاسيس سامية تنمو في ظلّها حركة الفن والأدب والشعر والرسم والصورة والقصّة والحكاية والرواية و… بعيداً عن تمثّلات غرائزية، فالشرقي يملك في فنّه ورسمه صورةً مؤدّبةً للمرأة وهي تعمل في القرى والأرياف تختلف عن بعض الصور التي يُسقط عليها الغربي جنسيّاته وغرائزيّته لتبدو على شكل المرأة العارية أو ما هو أفحش من ذلك.
ويمكن القول: إنّ هذه هي الصورة التي تحقّق انسجام العاطفة الصادقة القابعة في أعماق النفس الإنسانية ـ بوصفها تكويناً في الطبيعة ـ مع المصالح والمفاسد الاجتماعية والفـردية فيأتي الدين ليضع قوانينها متناغمةً مع فطريّتها وحذرةً من فوضويّتها وعدم هادفيّتها.
إنّ مشكلة جيلنا المعاصر ـ ومنه جيلنا الشابّ المتديّن ـ هي مشكلة عدم الإفراغ السليم للطاقة العاطفية التكوينية، واذا لم نفكّر بجدٍّ ونشاطٍ في وضع صورةٍ متكاملةٍ لروابط عاطفية دينية يمكنها أن تحل وتنفّس ضغط النفس واحتقان الشعور فإننا سوف نواجه عما قريب انفجاراً قاتلاً تعزّزه عولمة الثقافة والعيش القادمة من غرب الأرض غير راحمةٍ أو مباليةٍ.
إيمان شمس الدين
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد صنقور
محمود حيدر
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
لماذا يأخذ المفسرون بكلام بعضهم؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (3)
أزمة الحبّ والإيمان (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (1)
الإمام الرضا (ع) وحركة الواقفة
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (1)
صور من بلاغة القرآن الكريم
من آداب طلب العلم
أزمة الحبّ والإيمان (1)
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (2)