نسرين نجم ..
الحج سفر إلى حيث البيت العتيق ربطه الله سبحانه وتعالى بالاستطاعة فقال عزّ من قائل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، له فوائد تربوية واجتماعية وأخلاقية وإنسانية في غاية الأهمية، تنعكس إيجابًا على الفرد وعلى المجتمع ككل، وبما أننا على أبواب موسم الحج أجرينا هذا الحوار مع سماحة الشيخ أحمد آل فردان:
* الحج تشييد للدين..:
تعتبر شعيرة الحج من الفرائض الأساسية التي أمرنا الله بها عزّ وجل سيما "لمن استطاع إليها سبيلًا"، ولها فلسفة خاصة تنقل الإنسان من عالم المادة إلى عالم الرقي الروحي فيمتلأ القلب اطمئنانًا وسلامًا، ولكن البعض ينظر إليها على أنها عادة ليس أكثر من ذلك، عن أسباب فرض الله عز وجل فريضة الحج وأبعادها يتحدث سماحة الشيخ أحمد آل فردان فيقول: "الحج فريضة إلهية، ومدرسة تربوية عظيمة، يقصدها ملايين المسلمين في كل عام لينهلوا من نمير معارفها وآدابها، وسمو مقاصدها، ويتزودون منها بأنواع الفضائل والمكرمات، ليعودوا بعد ذلك محملين بالمنح الربانية، والعطايا الإلهية، وبالمغفرة والرضوان. ونحن وإن كنا لا ندرك الحكمة والفلسفة منه، إلا أن سادتنا الكرام من أهل البيت (ع) كفونا مؤونة ذلك حينما أوقفونا على بعض حكم الحج، حيث نجد في كلماتهم إشارات عميقة لفلسفة الحج وما ينطوي عليه من أسرار.
فهذا أمير المؤمنين (ع) يقول في الخطبة الثانية من نهج البلاغة (وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلأنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الأنْعَامِ، وَيَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ، جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ) فيذكرنا أن أعمال الحج من مناسك ومراسم، إنما تشتمل على أفعال غاية في التواضع لعظمة الله تعالى قلما نجد نظيرها في سائر الشعائر العبادية. وهذا ما يتجسد بوضوح في الإحرام بثياب بيضاء، والطواف في الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على جبل عرفة والمشعر الحرام والمبيت في منى ورمي الجمرات والتقصير وما إلى ذلك من الأعمال التي تحطم ما تعيشه النفس البشرية من غرور وكبر.
وهذه سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) تقول في خطبتها الفدكية (فجعل اللّه الإيمان تطهيرًا لكم من الشرك، والصلاة تنزيهًا لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتًا للإخلاص، والحج تشييدًا للدين).
فهي تطرح في هذه الخطبة الشريفة فائدة أخرى للحجّ ممّا لو وُضعت جميع منافع الحجّ في كفّة ووُضعت هذه الفائدة في كفّة أخرى لرجحت كفّة الأخيرة على سائر المنافع. فهي (ع) تقول: «وَالْحَجَّ تَشْيِيدًا لِلدِّين»، والتشييد هو إقامة البناء على نحو محكم وجميل ورفع قواعده، و«شيّد البناء» أي بناه بشكل متقَن ورفيع وجميل. تقول مولاتنا (ع): الحجّ - بما يتضمن من مظاهر العظمة باجتماع الجموع المليونية وما يحمل من أهداف - يجعل من الدين بناءً رفيعًا وعاليًا وجميلًا وعظيمًا
إلى جانب ذلك، هناك روايات تشير إلى أن هذه المناسك العظيمة تشتمل على أربعة أبعاد هي: البعد الأخلاقي والعبادي، والبعد السياسي والاجتماعي، والبعد الثقافي، والبعد الاقتصادي".
ونظرًا لأهمية هذه الشعيرة المباركة سألنا سماحة الشيخ أحمد آل فردان عن كيفية الاستعداد إليه سيما من قبل الشباب؟ فأجاب: "تقوم فكرة الأيام المهمة في الدين على أسس ثلاثة؛ تنقسم الأيام باعتبارها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الأيام التي تكتسب أهميتها باعتبار أن حادثة مهمة قد وقعت فيها: كولادة النبي الأكرم (ص) وولادة أمير المؤمنين (ع) ومعركة بدر ويوم الغدير وغير ذلك. فهذه الأيام تعطي المسلمين بتجدد الذكرى كل عام ما يمكن أن تعطيه من إلهام مقدس لكل فرد مسلم بمقدار حاله ومستواه.
القسم الثاني: الأيام التي تكتسب أهميتها باعتبار كونها وقتًا لأداء عبادة كبيرة في نظر الشريعة. وأهم أمثلة لذلك: ليلة القدر في شهر رمضان، بل أيام الشهر كله، ويوم عرفة في الحج، فإنها واقعة في قمة اندفاع المكلف في التوجه إلى ربه والتوسل إليه.
القسم الثالث: الأيام التي تكتسب أهميتها باعتبار كونها أول يوم تقريبًا لفراغ المكلف من عبادة مهمة في الإسلام. حيث أن من الوجداني المحسوس أن أداء أي واجب أو مطلوب يقوم به الإنسان يعطي راحة محببة واطمئنانًا للضمير على حسن التوفيق.
وكلما كبرت العبادة وازدادت أهميتها، ازدادت أهمية الفراغ منها، حتى يمكن أن يصل هذا الشعور إلى حد يستحق أن يكون عيدًا إسلاميًّا ينص عليه في الشريعة ويحتفل به المسلمون على طول الدهر. وأهم مثال لذلك: عيد الفطر الذي يأتي بعد الانتهاء من فريضة الصوم خلال شهر كامل. وعيد الأضحى الذي يأتي بعد الانتهاء من الأجزاء الأساسية للحج، وهما الموقفان: في عرفة والمشعر الحرام، وبالتالي كأن الحاج قد انتهى من حجه بشكل أو بآخر.
ولهذا ليس من الصدفة أن يقع عيد الفطر بعد الانتهاء من ليلة القدر، وأن يقع عيد الأضحى بعد الانتهاء من يوم عرفة. وبعد أن عرفنا هذا، نستطيع الجزم بالقول أن الاستعداد لهذا العيد وغيره لنيل الفائدة المرجوة منه، يكون من خلال الاستعداد للقسم الثاني من الأيام المهمة آنفة الذكر (ليلة القدر وعرفة). فكل مسلم ينال منه بقدر ما استعد له.
ولهذا يجب على الشباب الذين يعيشون مرحلة القوة والعنفوان أن لا يفوتوا عليهم نفحات تلك الأيام التي يعيش فيها الإنسان قمة التوجه إلى الله جل وعلا والتوسل إليه، لكي يحصدوا جني ما زرعوه في العيد".
بعض الشباب يعتبرون بأن فريضة الحج هي لعمر متقدم وليس لعمر الشباب، فما هي نصائحكم لهذه الفئة لتعود إلى أصالتها الإسلامية؟ يرى سماحة الشيخ بأن: "هذا وهم كبير، زرعه الاستعمار في عقول شبابنا، والذي يراد منه حرف البوصلة عن خط الإسلام الأصيل.
قال الإمام الخامنئي دام ظله: "إن أحد أساليب الهجوم الثقافي هو محاولتهم الدؤوبة لأن يُعرِض الشباب المؤمن عن مراعاة حدود الإيمان؛ تلك الحدود التي تمثل ثقافةً وحضارةً مستقلة"
وإلا الحج واجب شرعي على الإنسان المسلم البالغ العاقل المستطيع. مثله مثل بقية الواجبات كالصلاة والصوم وغيرهما. فكما أن الصلاة والصوم واجبان على كل بالغ عاقل متقدمًا كان في السن أو شابًّا، فكذلك الحج واجب عليه.
لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أن للحج منافع لم يقيدها بالكبار ومتقدمي السن، بل قال: (ليشهدوا منافع لهم)، فكل من حضر الموسم سينال من تلك المنافع رجلًا كان أو امرأة، كبيرًا كان أو شابًّا، بل حتى لو كان صغيرًا؛ كل بحسبه.
وهذه المنافع لا تقتصر على الدنيا بل تعمّ الآخرة أيضًا، كما روى ذلك الشيخ الكليني (قده) في الكافي بإسناده عن الربيع بن خثيم قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام وهو يطاف به حول الكعبة في محمل وهو شديد المرض فكان كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج يده من كوة المحمل حتى يجرها على الأرض ثم يقول: ارفعوني. فلما فعل ذلك مرارًا في كل شوط قلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إن هذا يشق عليك فقال: إني سمعت الله عز وجل يقول: "ليشهدوا منافع لهم" فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال (ع): (الكل).
فحري بالشباب المسلم أن لا ينخدع بتلك الدعوات الدخيلة الضالة، والتي تهدف إلى تمييع الهوية الإسلامية المتجذرة في الأعماق، وليحافظ على مبتنياته التي تربى عليها منذ صغره".
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان