سياحة ثقافية

وفي جواثا أقيمت الجمعة الثّانية في الإسلام

 

تعتبر المساجد بيوت الله سبحانه وتعالى على الأرض، لذلك جاءت الشّريعة الإسلاميّة لتولي المساجد اهتماماً خاصًّا، كما ندب النّبي (ص) المسلمين إلى بناء بيوت لله بقوله من بنى لله بيتاً في الأرض بنى الله تعالى له بيتاً في الجنّة.

وقد كان أوّل عمل يفعله النّبي الكريم بعد الهجرة النّبويّة المشرّفة أن يبني المسجد حتّى يصلّي فيه النّاس، وهذا يدلّ على أهميّة المساجد في الإسلام وأهميّة الدور الذي تقوم به. وعن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: إن أول جمعة جمعت في الإِسلام بعد جمعة  في مسجد رسول اللّه (ص) بالمدينة لجمعةٌ جمعت بجواثا قرية من قرى عبد القيس.

وصفحات التاريخ تشير إلى أن حاكم بني عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بـ"الأشج"، وصلت إليه أخبار ظهور رسول بعثه الله للعالمين، وما كان منه إلا أن أرسل رجالاً إلى مكة لاستجلاء الأمر. وحين وصل الخبر اليقين أسلم طوعاً، وأقام هذا المسجد الذي حمل الاسم المعروف به.

يحفظ أهالي الأحساء القصة المعروفة المرتبطة ببناء مسجد جواثا، ويتناقلونها من باب المفاخرة بهذا التاريخ الدال على تمسكهم بالإسلام منذ بدء ظهوره. وقد أنشد أحد شعرائهم قائلًا:    

 والمسجد الثالث الشرقي كان لنا              

والمنبران وفصل القول في الخطب

أيام لا مسجد للناس نعرفه        

إلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب  

 

تسميته

يرجع باحثون سبب التسمية إلى أصل الاسم، وهو جأث الرجل إذا فزع، وهذا يوحي إلى أن الناس يرجعون إليه عند الفزع، وهو ما يؤيده وجود حصن بالموقع، وتظهر الكثبان الرملية والمنخفضات التي تحيط بالمسجد دلائل استيطان قديم ومبان مندثرة، وبعد التنقيب وجدت أصنافاً عدة من البقايا من أبرزها الكسر الفخارية والخزفية وأنواع من الزجاج الملون والأبيض الشفاف.

 

نبذة تاريخيّة

بني هذا المسجد في عهد الرّسول (ص)، ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي، وقد أخذ منها الزمن ما أخذ في ظل غياب الترميم اللازم. ويبعد المسجد الذي يقع ضمن متنزه يعرف بالاسم نفسه، نحو 17 كيلومتراً شمال شرقي مدينة الهفوف، وقبل سنوات اكتشف أن المسجد الحالي أقيم فوق أنقاض مسجد أقدم منه.

 اعتصم المسلمون الذين ثبتوا على دينهم بعد وفاة الرّسول، عندما حاصرهم أهل الردة داخل حصن جواثا. ويعتقد أن الأراضي في الجنوب الغربي من جواثا، تضم رفاة من استشهد من المسلمين في حروب الردة، ومنهم: عبد الله بن سهيل بن عمرو، وعبد الله بن عبد الله بن أبيه. حينها تحصن مجموعة من المسلمين داخل أسوار المسجد حين حاصرهم المرتدون في عام 14 هجرية (635).

 

بناء المسجد ومراحل ترميمه

والمسجد الذي أعيد بناؤه من جديد ليصبح معلماً إسلاميًّا وسياحيًّا، أصبح يشكل ثقافة وهوية أبناء المنطقة الذين عاشوا معه وتفاخروا به.

مرّ هذا المسجد بترميمات عدة كان من أبرزها ما تم في 1210هـ حين قام الشيخ أحمد بن عمر آل ملا بعد أن غطت الرمال أجزاء عدة منه، بإعادة بنائه والمحافظة عليه.

وعن مراحل البناء التي مرت على المسجد يقول الباحث في الآثار والتراث خالد الفريدة : "كان أول ترميم لمسجد جواثا من قبلنا في 1400، وكان الهدف منه تقوية أساساته، إذ اكتشفنا من خلال المجسات أن جدرانه كانت مبنية على الرمال، وفي 1412 جرت عملية ترميم أخرى، لنكتشف أنه لم يبق من المسجد سوى رواق القبلة والرّواق الشرقي، والقبلة بقي منها أربعة أعمدة تحمل ثلاثة أروقة مدببة".

 وأشار إلى أن الرواق الشرقي بقي منه ثلاثة أعمدة تحمل رواقين مستديري الرأس، وهذا يعني أنهما ليسا من فترة معمارية واحدة لعدم تجانس شكلهما ومادة بنائهما، إذ لوحظ أن الشرقي مجصص أما الغربي (القبلة) فهو غير مجصص. وفي الجهة الشمالية منه ينتهي كتف العمود الشمالي بكتلة كبيرة من الطين، بدلاً من أن ينتهي بقوس كما في الجهة الجنوبية. ما يوحي بأن المسجد مر بعمليات ترميم عدة، وأعيد بناؤه أكثر من مرة.

ويحوي الترميم الجديد الذي خضع له المسجد أربعة أبراج، وهي من أساسات تكوين المساجد القديمة، وإنارته وفرشه بشكل كامل، والاهتمام المتزايد بهذا الأثر التاريخي يعطينا لمحة بسيطة عن أهميته وتعلق الناس به.

 

السّياحة الدّينية والمسجد

عرف عن جواثا أنها مركز تجاري مهم تقصدها القوافل التجارية وتعود منها محملة ببضائع التمور والمنتجات الزراعية والعطور، واستمرت تشهد عمرانًا متواترًا منذ الفترة الإسلامية، وإلى الوقت الحالي

ويشكل ضعف التسويق لمثل هذه المعالم السياحية المهمة، واحدًا من أبرز تأخر وصولها للسائح، ويقترح الحريصون على المنطقة أن يتم فتح باب الاستثمار في هذه الأماكن السياحية من الشركات الخاصة، والتي ستسهم بشكل كبير في تطوير هذه الأماكن، إلى جانب توفير المتطلبات الخدمية المطلوبة، والتي ستنعكس إيجاباً على القطع السّياحي في المنطقة.

 

ولا يزال هذا المعلم الأثري الديني يثير دهشة الزائرين للأحساء، حين يبدأ الأهالي بسرد قصة هذا المسجد، وارتباطهم الديني والعاطفي به، كخير شاهد على تأثيره في المحيط الاجتماعي، والحزن الذي طغى على وجوههم في فترة إغلاقه وترميمه كان واضحاً ومدللاً على الارتباط العاطفي مع هذا المكان.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد