مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، عضو مجلس خبراء القيادةrn مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي

هل ولاية الفقيه المطلقة ديكتاتورية؟ (1)


الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي ..
إنّ مقتضى الأدلة التي قدّمناها لإثبات ولاية الفقيه هو ثبوت الولاية المطلقة له، ومعنى ذلك: أن جميع الصلاحيات الثابتة للإمام المعصوم بوصفه ولي أمر المجتمع الإسلامي ثابتة أيضاً للوليّ الفقيه، إلّا إذا قام دليل على أنّ بعضاً من صلاحيات الإمام المعصوم لم تمنح للوليّ الفقيه، ومن هذا القبيل ما يراه المشهور من فقهاء الشيعة في مسألة الجهاد الابتدائي، وأن إعلان هذا الجهاد من صلاحيّات الإمام المعصوم (ع) خاصة ، ومع غضّ النظر عن هذه الموارد القليلة جداً ليس هناك أي تفاوت بين ولاية النبي والأئمة المعصومين (ع) وبين ولاية الفقيه، وهذا هوما يعبّر عنه بـ(ولاية الفقيه المطلقة)، وعبّر عنه مؤسس الجمهورية الاسلامية الإمام الخميني (رحمة الله عليه ) بقوله: «ولاية الفقيه كولاية رسول الله(ص)».
ومن الشبهات التي تثار أحياناً علي أصل ولاية الفقيه ، وأحياناً أخرى على كونها (مطلقة) قولهم : إنّ ولاية الفقيه وخاصة ولايته المطلقة هي الحكومة الاستبدادية ، وليس الفقيه إلّا دكتاتوراً ، يعني : أن الفقيه حينما يتسلّم السلطة فإنه يفعل ما يشاء ، وينفذ أيّ حكم يريد، وينصّب ويعزل أي شخص يعجبه ، وباختصار : تكون صلاحياته مطلقة ولا تتوجه له أية مسؤولية.
وبعبارة أخرى : إنّ الحكومة نوعان : الحكومة الليبرالية التي تقوم على أساس الانتخاب ورغبة الناس ، والحكومة الفاشيستية التي تخضع لرأي وتنظير الفرد، وبالبيان الذي تقدمتم به لنظام ولاية الفقيه ، وبما تصرحون به أيضاً من أنّ نظام ولاية الفقيه ليس ليبرالياً فيجب أن تقبلوا طبعاً أنه نظام فاشستي.
وفي الجواب عن هذه الشبهة نقول : إنّ تقسيم الحكومة إلى قسمين وحصرها في نوعين : ليبرالي وفاشستي هو مغالطة، إذ أنّ هناك قسماً ثالثاً للحكومة يمكن أن نتصوره ، لا يحكم فيه رئيس الدولة على أساس رغبات وأذواق الناس (الحكومة الليبرالية ) ، ولا على أساس رغباته وذوقه الشخصي (الحكومة الفاشستية ) ، وإنّما على أساس رغبة وإرادة الله تعالى ، والتبعية للقوانين والأحكام الإلهية ، ونظام ولاية الفقيه هو من النوع الثالث، وعليه لا يكون فاشستياً.
وبهذا يتضح أيضاً أن القول بأن ولاية الفقيه المطلقة تعني أن للفقيه أن يتصرف بما يشاء ، ولا يكون مسؤولاً أمام أحد هو قول لا واقع له ، ومردّه إلى الخطأ في تفسير كلمة (مطلقة ) أو تعمد إساءة تفسيرها لإغراض خاصة ، وعلى كل حال فاللازم هنا للردّ علي هذه المغالطة أن نوضّح المراد بقيد « مطلقة » في عبارة (ولاية الفقيه المطلقة).
إن كلمة « المطلقة » تشير إلى معانٍ مترابطة مع بعضها ، نشير اليها في نقطتين:


الأولى:
إنّ الولاية المطلقة للفقيه مقابلة للولاية (المحدودة) التي كان يتمتع بها الفقهاء في زمان الطاغوت ، فإنه في عهد الطاغوت السابق على انتصار الثورة الإسلامية ، المعبّر عنه بزمان عدم بسط اليد لم يكن بوسع الفقهاء الشيعة بسبب محدودية قدراتهم ، والموانع التي كانت تضعها حكومة الطاغوت أمامهم أن يتدخّلوا في الأمور الاجتماعية ، ولم يكن باستطاعة الناس أن يرجعوا إلى الفقهاء إلّا بعض أمورهم الاجتماعية الخاصة بصورة سرّية وبعيداً عن عيون السلطة ، فيرجعون إليهم ـ مثلاً ـ في موارد الزواج والطلاق والوقف وبعض المنازعات القانونية ، وكان الفقهاء يبتّون في هذه الأمور استناداً إلى الولاية الثابتة لهم ، ولكن كما أشرنا فإن إعمال الولاية من جانب الفقهاء كان محدوداً جداً، ولم يكن بوسعهم أن يتدخلوا بمستوى الحق الثابت لهم شرعاً ، أو يتصرفوا بمقتضى الصلاحيات الممنوعة لهم شرعاً من الله تعالى والأئمة المعصومين (ع) ، وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكيل الحكومة الإسلامية من قبل الإمام الخميني (رحمة الله عليه) توفرت أرضية إعمال الحاكمية الكاملة للفقهاء الشيعة ، وتمكن الإمام بوصفه فقيهاً على رأس هذه الحكومة من امتلاك القدرة علي التدخل وإعمال حاكميته التي يخوّله إيّاها منصب الولي الفقيه، ففي هذا الزمان تمكن الفقيه من استعمال مطلق الصلاحيات والحقوق الممنوحة له من جانب صاحب الشريعة ومالك العالم والإنسان ، وأزيحت من أمامه كافة العقبات التي كانت تضعها الحكومات الطاغوتية ، وبناءً عليه فإنّ الولاية المطلقة للفقيه ، هي الولاية المقابلة لولايته المحدودة في زمان حكومة الطاغوت ، ومنه يتضح أنه ليس لها أيّ علاقة بالدكتاتورية والاستبداد.


النقطة الثانية :
أنّ الولاية المطلقة للفقيه إشارة إلى أنّ كل فقيه يكون على رأس السلطة ، فإنّ كلّ الصلاحيات والحقوق اللازمة والضرورية لإدارة الدولة تكون ثابتة له ، وبهذا اللحاظ لا وجود لأي تفوت بينه وبين الإمام المعصوم (ع) ، أي أنه لا يمكن القول بأن بعضاً من الصلاحيات والحقوق التي تتوقف عليها إدارة الدولة تختص بالمعصوم (ع) فقط، فإذا كان على رأس الدولة معصوم أمكنه الاستفادة من تلك الصلاحيات ، وأمّا الفقيه فليس بإمكانه وليس من حقه الاستفادة منها.

من البديهي أنّ هذا الكلام ليس مقبولاً، ذلك أن تلك الحقوق والصلاحيات إذا كانت لازمة لإدارة الدولة ، وعدمها يوجب الخلل في المجال الإدراي ، ولا يتمكن الحاكم بدونها من القيام بوظيفته في إدارة شؤون المجتمع فمعه لا يمكن عقلاً اعتبار أين يفرق بين الإمام المعصوم والوليّ الفقيه ، وأنّ أيّ نوع من المحدودية للفقيه في مجال الحقوق والصلاحيات مساو تماماً لضياع المصالح العامة ، وتفويت المنافع على المجتمع الإسلامي ، فلا بدّ أن يتمتع الفقيه كالإمام المعصوم (ع) بمطلق الحقوق والصلاحيات.
واتضح بهذه النقطة الثانية أنّ كلمة « المطلقة » ليس لها أيّ ارتباط بالحكومة الفاشستيّة أو الديكتاتورية، وإنّما تشير إلى أمر عقليّ ومسلّم وواضح جداً ، ومقبول وموجود لدى جميع الحكومات.
وهناك موضوع آخر تشير له الولاية المطلقة للفقيه يتعلق بهذا السؤال : هل أن مجال تصرف وصلاحيّات الولي الفقيه منحصر بحدود القضايا الضرورية والاضطرارية ، أو أنّه حتى لو لم تصل المسألة إلى هذا الحدّ، ولكن يوجد في البين رجحان عقلي أوعقلائي فإنّ الفقيه مجاز بالتصرف؟ يحسن توضيح الموضوع.....

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة