قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

من آيات الله ودلائلِ حكمته

الشيخ حسن المصطفوي

في (مصباح اللغة) للفيومي: «الليلُ معروف، والواحدة ليلة، وجمعُه الليالي بزيادة الياء على غير قياس، والليلةُ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر... وليلٌ أليَل: شديدُ الظُّلمة».

وفي (لسان العرب) لابن منظور: «الليل عقيب النهار... الليل ضدّ النهار، والليل ظلامُ الليل، والنهار الضياء، فإذا أفردتَ أحدهما من الآخر قلتَ ليلةً ويوم... النهار اسمٌ لكلّ يوم، والليل اسمٌ لكلّ ليلة، لا يُقال نهار ونهاران، ولا ليل وليلان، إنّما واحد النهار يوم، وتثنيتُه يومان، وجمعه أيّام، وضدّ اليوم ليلة، وجمعها ليال، وكان الواحد ليلاة في الأصل».

وقال أبو هلال العسكري في (الفروق اللغوية): «الفرق بين النهار واليوم: أنّ النهار اسمٌ للضياء المنفسِح الظاهر لحصول الشمس؛ بحيث ترى عينها أو معظم ضوئها، وهذا حدُّ النهار، وليس هو في الحقيقة اسم الوقت. واليوم اسمٌ لمقدارٍ من الأوقات يكون فيه هذا السّنا، ولهذا قال النحويّون: إذا سرتَ يوماً فأنت موقّت تريد مبلغَ ذلك ومقداره، وإذا قلتَ سرتُ اليوم أو يوم الجمعة فأنت مؤرّخ، فإذا قلتَ سرتُ نهاراً أو النهارَ، فلست بمؤرّخ ولا بموقّت، وإنّما المعنى سرتُ في الضياء المنفسح، ولهذا يُضاف النهار إلى اليوم، فيقال سرتُ نهار يوم الجمعة. ولا يُقال للغلس والسحر نهارٌ حتّى يستضيء الجوّ».

التحقيق

يُطلق الليل على ما يقابل النهار، فإنّ النهار هو الزمان الممتدّ من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها، والنظر فيه إلى الزمان بلحاظ انبساط الضياء من الشمس، في قبال الليل إذا أظلم وغشيَ النور، فالليلُ يقابل النهار.

وأمّا اليوم: فهو أعمّ من النهار، وقد يطلَق على مجموع الليل والنهار، أو على وقتٍ ممتدٍّ معيّن.

ويشتقّ من الكلمة مشتقّات بالانتزاع، فيقال ليلٌ لائل، وأليَل، والمليّل، والملايلة، والإليال.

فكما أنّ النهار يلاحَظ في موارد إطلاقه خصوصيّة وجود الضياء، كذلك يلاحَظ في إطلاقات الليل مفهوم الظلمة.

- ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً..﴾ البقرة:274.

- ﴿..يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ..﴾ الأعراف:54.

- ﴿..رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ نوح:5.

- ﴿..يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ..﴾ الحج:61.

- ﴿رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها﴾ النازعات:28-29.

فالنظرُ في هذه الآيات الكريمة إلى الظُّلمة والضياء، ولا يصحّ أن يُقال: يُغشي الليل في اليوم، ويُولجه فيه، وأخرجَ ضحى اليوم.

وتقديم كلٍّ منهما بلحاظ خصوصيّةٍ منظورة، كرجحان الإنفاق في الليل المظلم، والدعوة ليلاً المصونة من الرياء والتقيّد.

قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ الليل:1-2، قدّم الليل في مورد السعي والعمل: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ الليل:4، فإنّ الليل مقدّمة وسببٌ لظهور العمل والسعي، لأنّ الليل معدّ للاستراحة، والاستراحة لجبر القوى الفائتة، وتأمين جهات الضعف والانكسار الذي تحصّل في النهار بالعمل والسعي.

فالقوّة والتهيّؤ للعمل والمجاهدة إنّما تتحصّل وتوجَد في الليل، فالليل مقدّم لكونه مبدأ تحصّل القوّة ومنشأه، ولولاه لما يُمكن لأحد أن يظهر منه عمل نافع. فظهر لطفُ التعبير بالليل ووجه الحلف به وتجليله وسبب تقديمه على النهار، ويدلّ التعبير في الآية الكريمة على أنّ الغشيان من لوازم الليل، كما أنّ التجلّي من لوازم النهار.

قوله تعالى: ﴿..وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً..﴾ الأنعام:96.

- ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً..﴾ يونس:67.

- ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً..﴾ الفرقان:47.

فجعل الله الليل للسكون والاستراحة، وهو لباس يغطَّى به لتجديد القوى وتقويتها، وجعل النوم بعد فعّالية اليوم استراحةً وانقطاعاً عن السعي. وبهذا يظهر أنّ الليل والنهار آيتان من آيات الربّ المتعال، تدلّ على القدرة والحكمة والنظم التامّ:

- ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ..﴾ الإسراء:12.

- ﴿وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ..﴾ الروم:23.

- ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ..﴾ يس:37.

- ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ..﴾ البقرة:164.

فهذه الأمور من آيات حكمة الربّ المتعال وقدرته وعلمه وعظَمته وسلطانه التامّ، يخلقُ الخلقَ على أحسن نظام وأكمل تقدير وأتمّ عدل، ومن آيات حكمته وتقديره: جعْل الليل سكناً وسباتاً، ليتمّ به نظام الحياة والعيش للحيوان والإنسان.

ومن آثار الليل وبركاته العظيمة الروحانيّة: مساعدته في الاشتغال بالعبادة والمناجاة والتوجّه والارتباط بالله المتعال، فإنّ الظلمة توجب الانقطاع عن الأعمال والحركات الخارجيّة، والقوى الظاهريّة تكون فيها محدودة، ويتحصّل للإنسان حالة الخلوة والانقطاع، ويستعدّ للتوجّه إلى عوالم الروحانيّة:

- ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِه ِنافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ الإسراء:79.

- ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَه وَسَبِّحْه ُلَيْلًا طَوِيلًا﴾ الإنسان:26.

- ﴿إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ المزمل:6.

فالليل المظلم أحسن موقع للتوجّه الخالص والمناجاة الخاصّة، وأنسب مقام للقيام بالخضوع والخشوع والعبوديّة والسجود التامّ. نعم، التهجّد بالليل أعظم وسيلة للقرب والارتباط، وأرفع مقام للتذلّل ومحو الأنانيّة والارتقاء إلى المقام المحمود.

وقد وقعت الفيوضات الربّانيّة والتجليّات اللاهوتيّة والتوجّهات والألطاف الرحمانيّة في الليالي:

- ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ القدر:3.

- ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الفجر:1-3.

- ﴿إِنَّا أَنْزَلْناه ُفِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ..﴾ الدخان:3.

- ﴿وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ..﴾ الأعراف:142.

- ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِه ِ لَيْلًا..﴾ الإسراء:1.

فالرجل العالي الهمّة إذا طلب كمالاً وسعادةً نفسانيّة، ووصولاً إلى حقائق المعارف ورفيع المراتب والمقامات الروحانيّة، لا بدّ أن يستفيد من قيام الليل وذكره وسجوده ونوافله.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة