قراءة في كتاب

ديوان أبي البحر الـخطّي، صورة ناطقة عن أدب عصره

ديوان أبي البحر الشّيخ جعفر الـخطّي، صورة ناطقة عن أدب عصره، بما احتواه من ملامح جليّة، تظهر الحياة الأدبيّة والاجتماعيّة على السّواء، وقد ضمّ بين دفّتيه لونين من الشّعر، أوّلهما الشّعر الفصيح المسكوب في عروض الخليل بن أحمد، وثانيهما الدّوبيت وهو من الأوزان الـمبتدعة.

 

وطرق أبو البحر الأغراض المتداولة كلّها في الشّعر العربيّ منذ القدم، كالمدح والرّثاء والهجاء والغزل والنّسيب والعتاب والاعتذار والهزل والوصف والحنين إلى الوطن والموعظة، وغير ذلك من الأغراض.

 

وبحسب السّيّد عدنان العوّامي في تحقيقه للدّيوان، فقد امتاز شعره على شعر معاصريه بجزالة ممتزجة بالسّلاسة والعذوبة والوضوح وسهولة في التّناول، تـحلّيها فصاحة لغة تتكّئ على رصيد ثرّ من الثّقافة وسعة الاطّلاع، فلا غرو أن ينفحك شعره بأنفاس عدد كبير من شعراء العصر الجاهليّ، وصدر الإسلام، والعصر الأمويّ، والعصر العباسيّ.

 

وفي شعره أيضًا إشارات إلى أنّه نسّابة متبحّر في علم الأنساب، كما يلاحظ في شعره، سعة اطّلاعه في علم الأماكن والبلدان. ومع ما عرف من اشتغاله بالعلوم الدّينية الـموجبة للصّرامة والورع، لم يـخل ديوانه من الـمجون والخمريّات، فأمّا الخمريات فتأتي عرضًا في قصائد المدح والوصف، وأمّا الـمجون، فإنّه يأتي به على سبيل الـمظارفة والـمزاح، كما تتجّلى عنده روح الـمرح والدّعابة في عدد من القصائد.

 

يقول السّيّد عدنان العوّامي: وللخطّيّ مزيّة فنّيّة نلاحظها في غالب شعره، تلك هي وحدة القصيدة، والترابط العضويّ في نسيجها، حتّى لترى البيت آخذًا بتلابيب سابقه، مـمسكًا بكتف لاحقه، في انسجام يطوّر بناء القصيدة حتّى يوصلها إلى ذروة النّضج والاكتمال.

 

أمّا في الوصف فكان مبدعًا مـحسنًا مـجيدًا، ومن ذلك قوله وهو يصف طوالع ورق اللّوز:

ولـمّـا اكتسى اللّوز الـحسين مطارِفًا

جدايد من أثوابه السّندسيّةِ

أشار بأغصان كأنّ فروعها

أكفّ تصدّت للدّعاء ومدّت

 

وعلى الرّغم من أنّ الشّاعر ابن بيئته، وعلى الرّغم من كونه ابن القطيف، وما أدراك ما القطيف، عيون جارية عذبة، ونخل باسق، وشجر وارف ظليل، وأديم سندسيّ مطرّز بكلّ ألوان الزّهر والنّجيل، ومع ذلك لا تجد من أثرها في شعره إلا لـمعًا يسيرة.

 

ويكشف شعره كثيرًا من ملامح حياته الخاصّة والعامّة، وصلاته بمجتمعه، وعلاقاته بمعاصريه، وقيمه، وأخلاقه، وآرائه في النّاس، ومن ذلك قوله في صديق غيّره المال:

أحين ملأت الرّاحتين اطّرحتني

أشار بذا يومًا عليك مشير

فإن أطّرحْ بعد الكمال فإنّما

تحامي العيون البدر وهو كبير

 

وأبو البحر، هو شرف الدّين، جعفر بن محمد بن حسن بن عليّ بن ناصر بن عبد الإمام الخطّيّ العبديّ، عالم وشاعر كبير. يقول السّيّد عدنان العوّامي في تحقيقه لديوانه فيما يخصّ مكان ولادته: لا نعرف على وجه التّحديد، مكان ولادته في القطيف، إلاّ إذا أخذنا بما قاله الشّيخ علي البلادي إنّه ولد في قرية التّوبي، إحدى قرى القطيف، ولعلّه اعتمد في ذلك على تسمية الشّيخ إبراهيم آل عرفات القديحي إيّاه في كشكوله.

 

يُعتقد أنّه نشأ في بيت مظلّل بالعوز والفاقة، حتّى ظُنّ بأنّ سبب هجرته منها عام تسعمئة وتسعة وتسعين للهجرة، ألف وخمسمئة وتسعين للميلاد، إلى أوال "البحرين" هو عجزه عن الوفاء بديون ضئيلة كانت عليه.

 

ترك الشّاعر وطنه، مهاجرًا إلى البحرين، في مَن تركه من الأعيان والوجهاء، ويبدو أنّه كما يقول العوّامي نَعِمَ بالدّعة والاستقرار في البحرين نحو سبع سنين، كان خلالها من أبرز المشاركين في الحياة الأدبيّة فيها، فمدح ومزح ورثى وهزل وتغزّل.

 

زار الدّورق في خوزستان، ويرجّح العوّامي أنّه زار العراق أيضًا بقوله: والحقّ أنّني لا أُنكر على مَن يستغرب ورود ذكر العراق في عرض حياة الشّاعر، مع أنّه لم يرد له ذكر صريح في ديوانه، لكن يـخيّل إليّ أنّ ثمّة إشارات تؤيّد القائلين بزيارته لهذا البلد.

 

عاد إلى البحرين لسنتين، ثمّ غادرها إلى شيراز في العام ألف وخمسمئة وتسعة وتسعين، ولعلّ لموت ركن الدّين محمود، وزير البحرينِ علاقة بمغادرة الشّاعرِ البحرين، ويقال إنّ البرتغاليين ولّوا على البحرين في هذه الأيام رجلاً ظلومًا متسلّطًا.

 

آب إلى القطيف وأقام فيها حتّى عام ألف وستّمئة وثلاثة، بعد انحسار سيطرة الأتراك عليها، وعودة القوى المحليّة إلى الظهور، لكنّ قصيدة له في تلكَ الفترة، تكاد تفصح عن ضيقه بالأتراك وكراهيّته لهم، فلم يتمكّن من البقاء طويلاً، فغادرها عائدًا إلى البحرين، ثمّ قصد أصفهان والتقى بالشّيخ البهائيّ، وكان دائم التّردّد على البحرين والقطيف، وبعد طول تطواف وترحال، توفي في شيراز في العام ألف وستّمئة وثمانية عشر، ودفن عند ضريح السّيّد أحمد بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد