قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات

{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}.[1]

 

إنّ القرآن عجيب جدّاً! فما الذي تُريد أن تُنبيء عنه هذه الآية؟ يقول تعالى: يا أيّها المؤمنون، إذا كنتم قاعدين في المجالس ودخل أحد الأشخاص، أخلوا له مكاناً. أنا أعلم بأنّه لا يوجد مُتّسع، لكن اجتمعوا لكي يخلوا له المكان؛ فإذا أخليتم له مكاناً فإنّ الله تعالى سيُخلي لكم مكاناً أيضاً: {يفسحِ اللهُ لَكُم}. إذا أوجدتم مُتّسعاً وفسحتم الطريق للناس، فإنّ الله تعالى بدوره سيفسح لكم، وأمّا إذا ضيّقتموها، فماذا سيفعل هو أيضاً؟ سيُضيّق عليكم.

 

إذا ما قصد الإنسان الجلوس في الحرم، فمدّ رجليه وفتح ركبتيه ونشر عباءته ـ بحيث لا يتمكّن أيّ مسكين آخر من القعود ـ وجلس للدعاء، فلن يحصل على أيّة فائدة من دعائه ولو أجهد نفسه في ذلك؛ لأنّ الطريق مُغلق.

 

إذا جاء شخص ما، فاجمع رجليك، وعدّلْ نفسك، فلا إشكال في ذلك! وضع أيضاً عباءتك أمامك لكي لا يضيق المكان على ذلك المسكين. أفسِحْ له طرفاً من الطريق، لكي يفسح لك الله أيضاً؛ حينئذ يُمكن لك أن تقول: يا سيّدي علي بن موسى الرضا! فيقول لك: نعم!

 

حسناً! فهذه الآية التي تقول: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا}، لماذا؟ {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}.

 

{وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} أي عندما يُقال يا أيّها الناس انفضّوا عن المجلس! لقد انقضى المجلس، فلا تجلسوا بعد الآن وقوموا بسرعة! فلا يقول هنا: إذا قمتم، فإنّ الله تعالى سيوصلكم إلى المقامات العالية وسيرفعكم.

 

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}. كأنّ علوّ المقام يرتبط بالعلم والتقوى والإيمان، بحيث أنّه لم يجرِ أبداً على لسان الله تعالى أنّه قال لغير المؤمن وغير العالم: سأرفع من درجاتك.

 

{وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرفَعِ} يَرفَعِ! ويجب أن نقرأها: يَرفَعِ وليس يَرفَعُ، لماذا؟ لأنّها جواب شرط. {وإِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات}.

 

فنشكر الله تعالى على أنّنا نمتلك علماً. وللعلم طريقان: علم باطني وعلم ظاهري؛ والظاهر يُؤيّد الباطن، كما أنّ الباطن يُؤيّد الظاهر، فكلّ واحد منهما يسند الآخر.

 

تقول الآية الشريفة: {يَرفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} الذين آمنوا! يلجؤون للدعاء والمناجاة في الليالي، فيستقون العلم من هناك؛ فهذا أيضاً نوع من أنواع العلم.

 

أو الأشخاص الذين يتعبون، يدرسون، يُجهدون أنفسهم، يقرؤون الآيات القرآنيّة، يدرسون التفسير، يدرسون الحديث، يعملون به ويُبلّغونه للآخرين، يُحيون الآخرين أيضاً؛ هذا أيضاً نوع آخر.

 

ولذلك تحدّثت الآية عن النوعين: الإيمان (وهو نفس الاتصال واليقين بالواقع) والعلم.

 

فالعلم بأيّة درجة وأيّ مقدار كان هو علم! وأمّا أن نأتي ونقول: "نحن لا نُريد العلم بالظاهر بل نريد العلم بالباطن" فهو كلام فارغ، ونفس الشيء إذا قلنا "نحن نُريد العلم بالظاهر، فلا جدوى من العلم بالباطن"؛ فكلّ هذا هُراء.

 

إذا كنّا لا نمتلك أيّة معرفة، فلن نتمكّن من قراءة القرآن وفهمه، لا، لن نتمكّن من فهمه، ولن نستطيع فهم أمير المؤمنين، لن نستطيع إدراك معنى «أَلَستُ أولى بِكُم»؛ وعليه، يحوز العلم على شرف كبير جدّاً، ومن اللازم الخوض فيه والكدح في طلبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ـ سورة المجادلة (58)، صدر الآية 11.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد