قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ الضمير في: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾!

المسألة:

 

قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾(1) هل الضمير في قوله: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ يعود على الطعام أو يعود على الله جلَّ وعلا؟

 

الجواب:

 

عود الضمير على الله جلَّ وعلا:

 

يُحتمل عودُ الضمير في قوله تعالى: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ على الله جلَّ وعلا، فيكون مفاد الآية أنَّهم يطعمون الطعام على حبِّ الله تعالى أي أنَّ الباعث لهم على الإطعام هو الحبُّ لله الذي أمر بالإطعام أو أنَّهم يطعمون الطعام تحبُّباً لله أي ليحظوا بحبِّ الله تعالى ورضاه، فإمَّا أنْ يكون الباعثُ هو حبَّهم لله لذلك فهم يستجيبون لأمره، إذ أنَّ المحبَّ مطيعٌ لمَن أحب. أو يكون الباعثُ لهم على الإطعام هو السعيَ لاكتساب حبِّ الله تعالى وقربِه ورضوانِه، فالغاية من الإطعام هو التحبُّب لله أي التعرُّض لموجبات محبَّته.

 

عود الضمير على الطعام:

 

والاحتمال الثاني: هو أنَّ الضمير في قوله: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ يعودُ على الطعام، فيكون مفادُ الآية هو أنَّهم رغم حبِّهم للطعام وحاجتهم إليه واشتهائهم له إلا أنَّهم يؤثرون به غيرهم من المساكين والأيتام والأسرى، فهم لا يبذلون الطعام لاستغنائهم عنه وعدم رغبتهم وحاجتهم إليه بل يبذلونه رغم حاجتهم له ورغبتهم في تناوله، فيكون مفاد الآية قريباً من مفاد قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾(2) أي حتى تنفقوا وتبذلوا الأموال التي تُحبونها، وأما الأموال التي لا تحتاجونها ولا ترغبون في اقتنائها والتحفظ عليها فإنَّ بذلها لا يكون من مُوجبات الفوز بالبر، فالموجبُ لنيلِ البرِّ هو الإنفاق للأموال المحبوبة لديكم، إمَّا لكونها من نفائس الأموال أو لكونكم بحاجةٍ إليها.

 

وكذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ .. وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ..﴾(3) فإنَّ الضمير -ظاهراً- في قوله: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ يرجع إلى المال أي أنَّه يؤتي المال رغم حبِّه له ورغبته فيه وحاجته إليه. وهذا هو الإيثار.

 

المتعيِّن من الاحتمالين:

 

وأرجح الاحتمالين هو الثاني وهو عودُ الضمير على الطعام، فهو المذكور في الآية، وفي كلِّ موردٍ يدورُ الأمر بين عود الضمير على مذكور وبين عوده على غير مذكور وكان المعنى يستقيمُ مع فرض عوده على الاسم المذكور فإنَّه يتعيَّن استظهار عوده على الاسم المذكور، هذا مضافاُ إلى أنَّ الإطعام لوجهِ الله تعالى قد تمَّ التنبيه عليه في الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾(4) وهو ما يؤكِّد أن الضمير في قوله: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ يعودُ على الطعام، إذ أنَّ المعنى الآخر وهو الإطعام على حبِّ الله قد أغنت عنه الآية اللاحقة.

 

وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ هو أنَّهم يُطعمون الطعام ويبذلونه رغم أنَّ أنفسهم تتوقُ إليه لحاجتِهم وجوعهم، فيكون مفادُ الآية مساوقاً لمفاد قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾(5).

 

ويُؤكد ذلك بل يدلُّ عليه ما أورده البرقي في المحاسن بسندٍ معتبر عن معمَّر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا (ع) في قول الله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا﴾ قال: قلت: حبُّ الله أو حبُّ الطعام؟ قال (ع): حب الطعام"(6).

 

ويؤيده ما ورد في سبب نزول الآيات كما في الأمالي للشيخ الصدوق عن الصادق عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه سبب نزول سورة هل أتى في أصحاب الكساء عليهم السلام "﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له .."(7).

 

وما ورد عن النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "ما مِن مسلمٍ أطعمَ مسلماً على جوع إلا أطعمه اللهُ من ثمار الجنة، وما مِن مسلمٍ كسا أخاه على عُريٍ، إلا كساهُ اللهُ من خضرِ الجنَّة، ومَن سقى مسلماً على ظمأٍ سقاهُ اللهُ من الرحيق"(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سورة الإنسان / 8.

2- سورة آل عمران / 92.

3- سورة البقرة / 177.

4- سورة الانسان / 9.

5- سورة الحشر / 9.

6- المحاسن -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ج2 / ص397.

7- الأمالي -الصدوق- ص333، بحار الأنوار -المجلسي- ج67 / ص226.

8- تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج10 / ص216.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد