قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى (عيش) في القرآن الكريم

مصبا - عاش عيشا من باب سار: صار ذا حياة، فهو عائش، والأنثى عائشة، وعيّاش أيضًا مبالغة، والمعيش والمعيشة: مكسب الإنسان الذي يعيش به، والجمع‌ المعايش. وقيل هو من معش، فالميم أصليّة، ووزنه فعيل وفعيلة وفعائل.

 

مقا - عيش: أصل صحيح يدلّ على حياة وبقاء. قال الخليل: العيش الحياة. والمعيشة: الذي يعيش بها الإنسان من مطعم ومشرب وما تكون به الحياة.

 

والمعيشة: اسم لما يعاش به. والعيشة مثل الجلسة والمشية. والعيش: المصدر، والمعاش يجرى مجرى العيش. وكلّ شي‌ء يعاش به أو فيه فهو معاش.

 

لسا - العيش: الحياة: عاش يعيش عيشًا وعيشة ومعيشًا ومعاشًا وعيشوشة. قال الجوهري: كلّ واحد من قوله - معاشًا ومعيشًا - يصلح أن يكون مصدرًا وأن يكون اسمًا، مثل معاب ومعيب. وأعاشه اللّه عيشة راضية. والتعيّش: تكلّف أسباب المعيشة، والمتعيّش: ذو البلغة من العيش.

 

التحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو كيفيّة تطورات في إدامة الحياة. وتوضيح ذلك أنّ الحياة صفة ذاتيّة بها يستمرّ الوجود، وهي خارجة عن الاختيار، فإنّ الاختيار من آثار القدرة، والقدرة من آثار الحياة، فتكون الحياة موجودة قبل الاختيار.

 

وأمّا العيش: فهو كيفيّة حادثة عارضة بعد الحياة وحصول الاختيار، فالإنسان الحيّ المختار يختار في حياته كيفيّة وبرنامجًا معيّنًا من جهة أكله ولباسه وسكناه وشغله ونومه وسائر أموره وحالاته، فالعمل بهذا البرنامج يطلق عليه العيش والمعيشة.

 

ثمّ إنّ العيش إمّا في جريان مادّيّ ، أو في أمر روحانيّ.

 

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة : 6، 7]. {كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ .. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة : 19 - 22].

 

العيشة كالجلسة بالكسر للنوع. والرضا هو الوفاقّ بجريان أو أمر مواجه والرضا في العيش هو وفاق العيش على ما عليه العائش، وهذا التعبير آكد وأبلغ من العكس، فإنّ وفاق العيش وملائمته لصاحبه يوجب رضا الصاحب عنه قهرًا وعلى أي وجه.

 

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ : 10، 11]. {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف : 10].

 

اللباس في الأصل مصدر ويطلق على ما يلابس به مبالغة في لباسيّته. كما أنّ المعاش في الأصل مصدر ويطلق على ما يعاش به وعلى نفس العيش في نفسه مبالغة، وكذلك المعيشة، وجمعها معايش.

 

فالمراد هنا معناها المصدريّ، ويعبّر بصيغة المصدر مبالغة، كما في قولهم - زيد عدل، فكأنّ النهار في نفسه معاش وفيها معايش.

 

فإنّ التحولات وأي برنامج في امتداد الحياة عملاً إنّما تقع في النهار، وأمّا الليل فزمان استراحة وسكون ونوم - راجع الليل.

 

وأمّا التعبير في الآية الثانية بكلمة - فيها معايش: فإنّ النظر فيها إلى الأرض، والأرض فيها ليل يستراح فيه ونهار يعاش فيه، فلا يصحّ أن يقال - إنّ الأرض معاش. وأمّا صيغة الجمع : فباعتبار تنوع في المعيشة ووقوع أنواع من المعيشة فيها.

 

وكذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر : 20].

 

وقوله - ومَن، عطف على المعايش، أي وجعلنا لكم من لستم له برازقين، كأفراد من الإنسان تحتاجون إليهم وترتبطون بهم، وكالأنعام الّتي تحمل أثقالكم وتأكلون منهم، وقد جعل اللّه النباتات أرزاقًا لها، ويعيشون في الأرض، وتستفيدون منهم.

 

والتعبير بكلمة من الدالّة على العقل: فإنّ المقام ذكر أفراد يعيشون بالاستقلال على وجه الأرض ويستفيدون منها، فكأنّهم عقلاء.

 

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه : 124]. فإنّ التعيّش حينئذ ينحصر بالعيش المادّي ولا روح له وهذا عيشة ضيّقة محدودة كمّا وكيفا ومدّة ومدّة وعاقبة، وهذا هو الخسارة الكبرى.

 

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص : 58]. { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف : 32]. فالمعيشة تتحقّق بعد الحياة، وهي تتقدّر في كلّ مورد بحسبه وبحسب اقتضاء النظم والتدبير والصلاح. وقوله - بطرت معيشتها: أي كانت المعيشة فيها بطرا ومتجاوزة عن الاعتدال في الطرب، وهذا كقوله تعالى- عيشة راضية.

 

وهذا التعبير أبلغ من- بطر أهل القرية في معيشته، فإنّ البطر هو التجاوز عن الاعتدال في الطرب، ويوصف به العيش أيضًا، كما يوصف به الأهل. فلا حاجة إلى تقدير. فظهر لطف التعبيرات في الآيات الكريمة المذكورة.

___________________

- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- مقا - معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، 6 ‏مجلدات ، طبع مصر . 1390 ‏هـ.

- لسا - لسان العرب لابن منظور ، 15 مجلداً ، طبع بيروت 1376 هـ .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد