قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

المشرك في حقيقته أبكم

قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 75 - 77].

 

إنّ مسألة التوحيد والشرك ليست مسألة عقائدية ذهنية صرفة كما يتوهم البعض وذلك لما لها من آثار بالغة على أصعدة الحياة كافة، بل وإنّ بصماتها لتراها شاخصة على مرافق ومناحي الحياة كافة ـ فالتوحيد إذا دخل قلباً أحياه وغرس فيه عوامل الرّشد والكمال، لأنّه بتوسيع أفق نظر وتفكير الإنسان بشكل يجعله مرتبطاً بالمطلق.

 

والشرك على العكس من ذلك تماماً، حيث يجعل الإنسان يعيش في دوامة عالم محدود، وتتقاذف كيانه تلك الأصنام الحجرية والخشبية، أو ميول وشهوات الأصنام البشرية الضعيفة، فيختزل فكر وإدراك وقدرة وسعي الإنسان في دائرة تلك الأبعاد الضيقة التقاذف.

 

وقد صورت الآيات تصويراً دقيقاً لهذا الواقع، وجمعته في مثال تقريباً للأذهان وقالت: إنّ المشرك في حقيقته أبكم وممارساته تنم عن خطل تفكيره وفقدانه للمنطق السليم، وقد قيد الشرك إمكانياته فجعله خواء لا يقوى على القيام بأي شيء فانسلخت منه حريته بعد أن أسلم نفسه أسيراً في يد الخرافات والأوهام.

 

وبسبب هذه الصفات المذمومة فهو كَلٌّ على المجتمع، لأنّه يستهين بكرامة وعزّة المجتمع من خلال تسليم مقدراته بيد الأصنام أو المستعمرين.

 

وهو تابع أبداً ما دام لم يتحرر من ربقة الشرك، ولن يذوق طعم الحرية والاستقلال الحق إلاّ بعد أن يتوجه إلى التوحيد بصدق.

 

ونتيجة لمتبنياته الفكرية الضالة فلن يخترق طريقاً إلاّ ضاع به، ولن يجد الخير أينما حط {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} [النحل: 76] فكم هي الفاصلة بين ذلك الخرافي، ضيق الأفق، الأسير، العاجز.. وبين هذا الحر، الشجاع، الذي لا يكتفي بنهج خط العدل، بل يدعو إِليه ليعم كل الناس؟!

 

الشخص الذي يمتلك الفكر المنطقي المنسجم مع نظام التوحيد الحاكم على الخليقة يسير دوماً على صراط مستقيم، وهذا السير سيوصله بأقرب وأسرع طريق إِلى الهدف المنشود دون أن يفني ذخائر وجوده في طرق الضلال والانحراف.

 

وخلاصة القول: فالتوحيد والشرك ليسا أمراً عقائدياً ذهنياً بحتاً، بل نظام كامل لكل الحياة، وبرنامج واسع يشمل: فكر، أخلاق وعواطف الإنسان ويتناول كذلك حياته الفردية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية. لو وضعنا مقايسة بين عرب الجاهلية المشركين والمسلمين في صدر الإسلام لوجدنا الفرق الواضح بين المسيرين...

 

الأشخاص الذين كانوا في: جهل، تفرقة، انحطاط، ولا يعرفون إِلاّ محيطاً محدوداً مملوءاً بالفقر والفساد، نراهم قد أصبحوا وكلهم: وحدة، علم، قدرة.. حتى أصبح العالم المتمدن في ذلك الزمان تحت تأثيرهم وقدرتهم.. كل ذلك بسبب تغيير سير خطواتهم من الشرك إِلى التوحيد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد