
الشيخ محمد صنقور
المسألة: قال تعالى في سورة آل عمران الآية 40: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء / فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ / قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾(1).
الاستفهام الذي صدر عن نبيّ الله زكريَّا (ع) لم يكن للتّعبير عن الاستبعاد لقدرة الله على استجابة الدَّعوة التي دعا بها ربَّه وإنَّما هو لغرض التَّعبير عن الاستعظام لقدرة الله تعالى بقرنية أنَّ زكريَّا ذكر ما عليه من حالٍ في صلب دعائه في سورة مريم: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾(2).
فرغم أنَّه كان يُدرك من نفسه أنَّه شَيخٌ كبيرٌ وأنَّ زوجته عقيم إلا أنَّه دعا ربه أنْ يَرزُقَهُ ولداً، فلو أنَّه لم يكن موقناً بقدرة الله عز وجل على استجابة دعائه لكان تصدِّيه للدّعاء عبثيًّا. وذلك يُمثِّل قرينةً واضحةً على أنَّ الاستفهام الذي صَدَرَ عنه بعد استجابة دعائِهِ لم يكن استبعاداً وإنَّما كان للتّعبير عن الاستعظام لقُدرة الله تعالى.
فمساق الاستفهام الوارد في الآية الشَّريفة مساقُ قولنا لمن ظَلمناه وهو مقتدرٌ على ردَّ ظُلامته إلا أنَّه عفا: "كيف عفوتَ عنَّي وقد أسأتُ إليك؟"، فهذا الاستفهام إنما هو لغرض التَّعبير عن الإعجاب وليس لغرض استبعاد صدور العفو منه، فلأن مقتضى الطَّبيعة هو انتقام المظلوم ممن ظلمه إذا تمكن من ذلك، فإذا عفا المظلوم عمَّن ظلمه كان ذلك مُوجباً للاستغراب والإعجاب.
وكذلك الحال في المقام فلأنَّ طبيعة الأمر أنَّ الشَّيخ الكبير والمرأة العقيم لا يمكن أن يُنجبا ذُرِّيَّةً، فإذا وقع ذلك منهما استغربا وأصبح الاستعظامُ لقدرة الله تعالى حاضراً في نفسيهما بعد أن كان مركوزاً، وذلك ما يدعوهما للتَّعبير عن الاستعظام المشوب بالاستغراب رُغم أنَّهما كانا يُدركان القُدرة الإلهية على ذلك إلا أنَّ طبيعة النفس الإنسانية هي الانسياق مع هذا الشُّعور والتَّعبير عنه بمجرَّد حصول الأمر الغريب.
فثمَّة شعورٌ بالالتذاذ والأُنس والاستعظام تمتزج جميعاً في النَّفس فتنساق النَّفس للتّعبير عنه بالاستفهام الذي يستبطن التَّعظيم والامتنان.
فشأنُ المقام شأنُ من أُعطي جائزةً عظيمةً لا يُعطى مثلها عادةً لمثله فهو يُعبِّر عن ابتهاجاته واستكثاره لهذه المنحة بالاستفهام وأنَّه كيف مُنح هذه الجائزة والحال أنَّها لا تُمنح لمثله، فالعرف يفهم من هذه الاستفهام الشُّكْرَ للمانح والامتنان والاستعظام لسخائه.
هذا وقد ذُكِرَ احتمالانِ آخران لمعنى الاستفهام في الآية الواردة على لسان زكريا (ع).
الاحتمال الأول: أنَّ الله تعالى لمَّا أخبره باستجابته لدعائه وأنَّه سيرزُقُه بولدٍ اسمه يحيى سأل ربه عن كيفيَّة ذلك وهل سيكون الولد الذي سيمنحه إيّاه من زوجته العقيم أم من زوجة أخرى فجاءه الجواب ﴿كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾(3)، فعلم أن الولد الذي سيمنحه إياه سيكون من زوجته العقيم.
والاحتمال الثاني: أنَّ الله تعالى لما أخبره باستجابة دعائه وأنَّه سيهبه ولداً اسمه يحيى سأل ربه عن كيفية ذلك وهل سيمنحه الولد بعد أن يُرجعه وزوجته شابَّين ويرفع العُقم عن زوجتِهِ أو سيمنحه إيَّاه وهو على هذا الحال فجاء الجواب: ﴿كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾، فعلم أنَّ الله تعالى سيمنحه يحيى وهو على شَيخُوخته وزوجتُهُ على عقمها.
________________________________________
1- آل عمران/38-40.
2- مريم/4- 5.
3- آل عمران/40.
من آيات عظمة الله سبحانه
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
الشيخ محمد جواد مغنية
كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟
السيد عباس نور الدين
سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه
عدنان الحاجي
أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!
الشيخ علي رضا بناهيان
رأس العبادة، آدابٌ للدعاء
الشيخ شفيق جرادي
معنى (سقف) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الملائكة وسائط في التدبير
السيد محمد حسين الطبطبائي
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
السيدة زينب: بهاء من ملكوت الطّفّ
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
من آيات عظمة الله سبحانه
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟
سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه
السيدة زينب: بهاء من ملكوت الطّفّ
آل سعيد يطرح قاعدة بسيطة فعّالة لدفع القلق والتّوتّر
أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!
(التّواصل ليبقى الحبّ) محاضرة للرّاشد في مركز البيت السّعيد
تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ
رأس العبادة، آدابٌ للدعاء