
السيّد علي الحسيني الميلاني
إنّ صاحب أيّة فكرة أو عقيدة أو رأي يرى من حقّه الطبيعيّ أنْ ينشرها بين الناس ويدعو الآخرين إليها. إلاّ أنّ لتقدّمه ونجاحه في مشروع الدعوة هذه شروطاً، كما أنّ دعوته إلى فكره بحاجة إلى أدوات، لا سيّما إذا كان في مقابل رأيه رأيٌ آخر وله أتباع يدعون إليه... فيقع حينها الصراع العقيديّ والفكريّ بين الجانِبَيْن، لأنّ كُلّاً منهما يدّعي الحقّ والصواب ويحاول التغلّب على الآخر والسيطرة عليه فكريّاً.
إنّ للتغلّب في ميدان الصراع العقيدي أصولاً وأدواتٍ تختلف عنها في ميدان الحرب والمواجهة العسكريّة. ولقد وضع العقلاء - وهم أصحاب الأفكار والآراء - حدوداً وقيوداً للصراع في هذا المجال، وأسّسوا للغَلبة فيه أُسساً جعلوها المعيار والميزان للرضوخ لفكر أو لرفض فكرٍ آخر، فكانت أساليب «الجدل» التي بُحث عنها ونقّحت مسائلها في كُتب المنطق.
ولقد أحسنوا في اختيار هذا المصطلح لهذا العلم أو لهذه الصناعة، لشدّة ارتباط المعنى اللّغويّ للكلمة بالغرض المنطقيّ منها. قال الراغب الأصفهاني: «الجِدالُ: هو المُفاوَضَةُ على سَبيلِ المُنازَعة والمُغالَبة، وأصله: مِن جَدَلْتُ الحَبلَ: إذا أحكَمْتَ فَتْلَه... فكأنَّ المُتجادِلَيْنِ يَفْتِلُ كلُّ واحِدٍ الآخَرَ عَنْ رَأْيِهِ. وقيل: الأصلُ في الجِدالِ الصِّراعُ، وإسقاطُ الإنسانِ صاحِبَهُ على الجَدالَةِ، وَهِيَ الأَرْضُ الصَّلْبَةُ».
الجِدال في القرآن
أقرّت الأديان السماويّة أسلوبَ «الجدال» واتّخذه الأنبياء السّابقون عليهم السلام طريقاً من طُرق الدعوة، وقد ورد في القرآن الكريم نماذجُ من ذلك.
وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم، ففي الوقت الذي أُرسل كما خاطبه الله، عزّ وجلّ، في الآية المباركة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾. فقد حدّد له كيفيّة الدعوة وأداتها بقوله له: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...﴾. ثمّ أمره بالجدال حين يكون هناك جدالٌ منهم، فقال بعد ذلك: ﴿..وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾.
وفي الجملة، فإنّ الوظيفة الأوّلية هي البلاغ والدعوة إلى سبيل الله، فإنْ كان هناك مَن تنفعه «الحكمة» فَبِها، وإن كان من عموم الناس فبالنصيحة والموعظة الحسنة، فإنْ وجد في القوم من يريد الوقوف أمامه أو التغلّب عليه وجب عليه جِداله.
ولعلّ المقصود - هنا - أهل الكتاب، كما في الآية الأُخرى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾.
وعلى ضوء ما تقدّم، فإنّ الجدال قد يكون حقّاً وقد يكون باطلاً، قال تعالى: ﴿..وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ..﴾.
وهناك في القرآن الكريم موارد من تعليم الله سبحانه النبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم طريقة الاستدلال. كذلك جاءت في القرآن الكريم موارد كثيرة من مجادلات واحتجاجات الأنبياء السابقين. ثمّ إنّه قد جاء التعبير عن «الجدال بالباطل» بـ«الجدال بغير سلطان» في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ..﴾، و«السلطان» هو «الحجّة»؛ سُمّيت به لسيطرتها وتسلّطها على القلوب.
ومنه يفهم أنّ المراد من «الجدال بالحقّ»، هو «الجدال بالحجّة». لكنّ «الحجّة» إنّما يحصل لها «السلطان» على القلوب إذا كانت ﴿..بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾؛ فَلِذا أمر الله تعالى بذلك. وفي هذا إشارة إلى آداب البحث والمناظرة والجدل.
قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ..﴾، أي: بأن يتكلّموا مع المشركين بالطريقة التي لا تعود بالفائدة على الشيطان في تحصيل مقاصده من الوقيعة بين الخَلق، فالله سبحانه يريد من المؤمنين أن يكون جِدالهم مقروناً بما يعينهم في إقامة الحجّة وإفحام الخصوم وظهور الحقّ على الباطل.
والخلاصة، إنّ الجدال المقبول شرعاً وعقلاً هو الجدال بـ«الحُجّة المعتبرة»، مع رعاية أدب الجدال والحوار.
شكل القرآن الكريم (2)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
محمود حيدر
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)
الهداية والإضلال
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
(قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها
نشاط غير عادي في أمعائنا ربما ساعد أدمغتنا أن تنمو أكبر
الذنوب التي تهتك العصم