المراد من قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾(1)
النّبأ يُستعمل عادة في الخبر ذي الشّأن، فلا يقال للخبر غير ذي الشّأن أنَّه نبأ، ولعلَّه لذلك لم يستعمل القرآن المجيد كلمة النّبأ إلّا في الخبر الذي له خطر كما في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ﴾(2) وقوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾(3) وقوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾(5) وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(6) ﴿قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾(7) وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾(8) وقوله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾(9) وقوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾(10) وقوله تعالى: ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾(11) وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾(12) فإنَّ الملاحظ في هذه الآيات وكذلك غيرها لم تستعمل لفظ النّبأ بمختلف اشتقاقاته إلا في الخبر ذي الشّأن الذي له خطر ويستحقُّ العناية والاهتمام.
ثم إنَّه لا فرق في استعمال النّبأ في الخبر ذي الشّأن بين كون متعلَّق الخبر أمرًا قد مضى وتحقَّق، وبين كون متعلَّقه أمرًا سيحدث في المستقبل، فإنَّ الإخبار كما يكون عن شيءٍ قد مضى، فإنَّ متعلَّقه قد يكون أمرًا يحدث في المستقبل، ولذلك نجد القرآن المجيد قد استعمل لفظ النّبأ في الخبر الذي سيقع متعلَّقُه في المستقبل كقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾(12) ولذلك صحَّ إطلاق النّبأ على الوعيد الذي سيحدث متعلَّقه في مستقبل الزّمان كالآية التي نحن بصدد الحديث حولها وهي قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ فهي تتحدَّث عن نبأ سيحدث في مستقبل الزّمان، وسياق الآية سياق تهديدٍ ووعيد، وصدق الخبر والنّبأ على الوعيد ينشأ عن أنَّ المتوعِّد يُخبر المخاطب بأنَّ أمرًا سيقع في مستقبل الزّمان، فهو خبر لأنَّه قابل للصّدق والكذب، أي قابلٌ للمطابقة مع الواقع وعدم المطابقة.
معنى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾:
وأمَّا معنى "مستقرّ" فهو اسم زمان أو اسم مكان، أي موضع الاستقرار والوقوع فمعنى ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ هو أنَّ كلَّ خبر أخبر الله تعالى بوقوعه فإنَّ له موضعًا من زمان أو مكان سيقع عنده مؤدَّى ذلك الخبر، فإذا كان الله تعالى قد أخبر عن أنَّ عذابًا سيقع على هذه الأمّة، فإنَّ هذا العذاب سيقع لا محالة في وقته ومكانه المقدّر له، فوقته ومكانه هو موضع استقراره الذي سينتهي إليه. وقد يكون المراد من قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ هو أنَّ لكلِّ خبر قرارًا واستقرارًا، أي غاية يستقرّ عندها وينتهي إليها ويتحقق فيها. فالمستقرّ هنا بمعنى المصدر لأنَّه من الثّلاثيّ المزيد، لذلك يصاغ على هيئة اسم المفعول المدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج.
وعلى أيّ تقدير فإنَّ مفاد الآية هو أنَّ كلَّ نبأ أخبر الله تعالى عن وقوعه، فإنّ له -حتمًا- ظرفًا سيقع عنده وفيه، وسوف يعلمون حينذاك بصدق ما أنبأ الله تعالى عنه، فمساق الآية مساق تهديد ووعيد، حيث إنَّهم لم يكونوا يعبئون بما يخبرهم الله تعالى عن وقوعه، فسيقت الآية لتأكيد الوقوع، وأنَّه سيتبين لهم حينذاك أن تكذيبهم وعدم اكتراثهم، قد ضيّع عليهم فرصة اختيار ما فيه صلاحهم ونجاتهم.
ـــــــــــــــــــــــ
1- سورة الأنعام / 67.
2- سورة المائدة / 27.
3- سورة الأعراف / 175.
4- سورة الشعراء / 69.
5- سورة الأنعام / 34.
6- سورة التوبة / 187.
7- سورة التوبة / 94.
8- سورة آل عمران / 44.
9- سورة هود / 120.
10- سورة الكهف / 13.
11- سورة النمل / 22.
12- سورة الأنعام / 5.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان