قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

القرآن الكريم في بطاقة تعريفية (3)

هل نزل القرآن دفعة واحدة أم تدريجياً؟

القرآن الكريم، كما هو المشهور، عُبّر عنه مرة بأنه نَزَل، وعُبّر عنه مرة أخرى بأنه نُزِّل. مرة: (إنا أنزلناه)[1]، (نزل به الروح الأمين)[2]، ومرة أخرى: (ونزلناه تنزيلا)[3]، فصار لدى العلماء مسألة وهي: هل أنه نزل مرة واحدة أو نُزّل متعدداً، منجماً على فترات؟ لا سيما إذا أضفنا إلى ذلك، مسألة وهي أننا نقرأ في القرآن الكريم: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، فإذن القرآن أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان.

من جهة أخرى، نحن نعلم، أن أول آيات سورة العلق، نزلت على رسول الله (ص) في السابع والعشرين من رجب[4]، الذي كان فيه بعثة النبي (ص)، فكيف؟، هل نزل في رجب أو نزل في رمضان أو صار نزول متعدد أو غير ذلك؟

هناك من لا يرى وجود اختلاف بين الإنزال والتنزيل، وقد يستفاد هذا من كلمات بعض اللغويين ففي لسان العرب لابن منظور: «وتَنَزَّله وأَنْزِله ونَزَّله بمعنى نزل. قال سيبويه: وكان أَبو عمرو يفرق بـين نَزَّلْت وأَنْزَلْت ولـم يذكر وجهَ الفَرْق؛ قال أَبو الـحسن: لا فرق عندي بـين نَزَّلْت وأَنزلت إِلاَّ صيغة التكثـير فـي نزَّلت فـي قراءة ابن مسعود: وأَنزَل الـملائكة تَنْزِيلاً؛ أَنزل: كنَزَّل»..

وقد أجاب العلماء عن هذا بإجابات، منها عن السيد الطباطبائي في الميزان، قال:

«.. فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[5] وقوله تعالى (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ)[6]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[7]، واعتبار الدفعة إما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى:{كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ}[8]، فإن المطر إنما ينزل تدريجاً لكن النظر ههنا معطوف إلى أخذه مجموعاً واحداً، ولذلك عبر عنه بالإنزال دون التنزيل، وكقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[9]، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضي فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحح لكونه واحداً غير تدريجي ونازلاً بالإنزال دون التنزيل. وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[10]»

وبعد أن استشهد بجملة من الآيات المختارة.. انتهى إلى القول:

«ثم إن هذا المعنى أعني: كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة إلى الكتاب المبين ونحن نسميه بحقيقة الكتاب بمنزلة اللباس من المتلبس وبمنزلة المثال من الحقيقة وبمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام هو المصحح لأن يطلق القرآن أحيانًا على أصل الكتاب كما في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}[11]، إلى غير ذلك وهذا الذي ذكرنا هو الموجب لأن يحمل قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، وقوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}، وقوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، على إنزال حقيقة الكتاب والكتاب المبين إلى قلب رسول الله (ص) دفعة كما أنزل القرآن المفصل على قلبه تدريجاً في مدة الدعوة النبوية.

وهذا هو الذي يلوح من نحو قوله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن} [12]، وقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[13]، فإن الآيات ظاهره في أن رسول الله (ص) كان له علم بما سينزل عليه فنهى عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي، وسيأتي توضيحه في المقام اللائق به»[14].

وقد ذهب آخرون إلى رأي آخر يقول: بل نزل بجملته، وبكامله، من البيت المعمور، إلى السماء الرابعة، أو إلى السماء الدنيا، أو إلى قلب النبي (ص)..ثم بدأ بعد ذلك يتنزل تدريجياً مع كل حادثة ومع كل قضية. وهذا يختلف عن القول السابق بأنه لا يضطر إلى تأويل النزول الدفعي بأنه (حقيقة الكتاب) أو (الكتاب المحكم) وإنما نفس القرآن الذي سينزل منجَّماً ومتفرقاً فيما بعد هو نفسه بجملته وبكامله نزل دفعة في ليلة القدر في شهر رمضان.

 

وصية النبي (ص) بالقرآن وبأهل بيته، هل راعتها الأمة؟

هذا القرآن الكريم، الذي يهدي للتي هي أقوم في الحياة الدنيا ودار السلام في الآخرة ويبشر المؤمنين، الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً، هو خير وديعة أودعها رسول الله في الأمة، وأوصى بها وألفت النظر إليها، وكم من المرات تحدث النبي عن القرآن الكريم، إلى أن جعله في وصية الثقلين (إني مخلف فيكم، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدًا أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وفي روايات أخرى (تارك فيكم الثقلين) ولعلك تقول هل الرواية الأصلية تارك فيكم أو مخلف فيكم، أي منهما؟ كلا العبارتين صحيحة لأن الإنسان إذا اهتم بقضية معينة، يكثر من الوصاية بها بمختلف الألفاظ وفي مختلف الأوقات، وبمختلف السبل.

فمن الممكن، أن يقول في مجمع: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وممكن في مجمع آخر، يقول: (مخلف فيكم)، وفي مجمع ثالث يضيف إليه: (أحدهما أكبر من الآخر)، وفي مجمع رابع، يقول: (فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وهكذا.

كان النبي (ص) في سنواته الأخيرة، يوصي بهذه الوصايا المختلفة بالقرآن وبالعترة، ولكن للأسف لم تلتفت الأمة في سلوك طغاتها وكبارها إلى وصايا رسول الله (ص) أما القرآن الكريم، فزووه عن العمل به، لا بل مزقه بعض طغاة هذه الأمة وليس فقط لم يعملوا به وإنما أهانوه وهتكوا حرمته، فهذا الوليد بن يزيد الأموي الفاسق المعروف، أخذ القرآن ليستفتح به.. عندنا أن الاستفتاح بالقرآن والتفؤل به غير محبذ شرعاً، لماذا؟ لأن هذا قد يجر إلى تكذيب القرآن.

 

الوليد بن يزيد كان يريد أن يتفأل بالقرآن، فتفأل به واستفتح فإذا بالآية المباركة، {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ}[14]، فغضب ووضع القرآن على جدار وأخذ سهاماً وظل يرشقه بالسهام، حتى مزق القرآن ويقول:

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

لئن لاقيت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقني الوليد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] القدر / 1 وغيرها من السور.

[2] الشعراء / 93

[3] الإسراء / 106

[4] روي عن الإمام الصادق(ع): (لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب؛ فإنَّه اليوم الذي نزلت فيه النبوَّة على محمّد (صلّى الله عليه وآله) وسائل الشيعة 10/ 447

[5] البقرة/ ١٨٥.

[6] الدخان / 1ـ ٣

[7] القدر/ ١.

[8] يونس/ ٢٤.

[9] ص/ ٢٩.

[10] هود / 1

[11] البروج / 21، 22

[12] طه/ ١١٤.

[13] القيامة/16- ١٩.

[14] الميزان 2/ 18.

[14] ابراهيم 15ـ 16.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد