قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الإمام العسكريّ (ع) وتفسير بعض آيات الكتاب

لقد شغلت الحروف المقطّعة بال المفسّرين فضربوا يميناً وشمالاً، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً، ولكن الإمام العسكريّ عليه ‌السلام عالج تلك المعضلة بأحسن الوجوه وأقربها للطبع، فقال: «كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا سحر مبين تقوّله، فقال الله : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) أي: يا محمّد، هذا الكتاب الذي نزّلناه عليك هو الحروف المقطّعة التي منها «ألف»، «لام»، «ميم» وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثمّ بيّن أنّه لا يقدرون عليه بقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)».

وقد روي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي عليه ‌السلام.

 

وكان أهل الشغب والجدل يلقون حبال الشك في طريق المسلمين فيقولون إنّكم تقولون في صلواتكم: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أولستم فيه؟ فما معنى هذه الدعوة؟ أو أنّكم متنكّبون عنه فتدعون ليهديكم إليه؟ ففسّر الإمام الآية قاطعاً لشغبهم فقال: «أدِم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمالنا».

ثمّ فسّر الصراط بقوله: «الصراط المستقيم هو: صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، أمّا الأوّل فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنّة»، وكان قد استفحل أمر الغلاة في عصر الإمام العسكري ونسبوا إلى الأئمّة الهداة أُموراً هم عنها براء، ولأجل ذلك يركّز الإمام على أنّ الصراط المستقيم لكل مسلم هو التجنّب عن الغلو والتقصير.

 

وربّما يغتر الغافل بظاهر قوله سبحانه: (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ويتصوّر أنّ المراد من النعمة هو المال والأولاد وصحّة البدن، وإن كان كلّ هذا نعمة من الله، ولكنّ المراد من الآية بقرينة قوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) هو نعمة التوفيق والهداية، ولأجل ذلك نرى أنّ الإمام يفسّر هذا الإنعام بقوله: «قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال الله عزوجل: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ثمّ قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحّة البدن وإن كان كلّ هذا نعمة من الله ظاهرة».

ولقد تفشّت آنذاك فكرة عدم علمه سبحانه بالأشياء قبل أن تخلق، تأثراً بتصورات بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة من اليونان، فسأله محمّد بن صالح عن قول الله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) فقال: «هل يمحو إلّا ما كان وهل يثبت إلّا ما لم يكن»؟

فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطي: إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون، فنظر إليَّ شزراً، وقال: «تعالى الله الجبّار العالم بالشيء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد