✒️الحلقة الثانية
توضح من المكتوب السابق، أن نظام الترهيب في الإسلام، وكذلك نظام الترغيب، ليسا نظامان يستندان على عوامل تربوية فقط، أي أن الإسلام لا يستخدم الترغيب لأجل الجذب فحسب، كما ولا يستخدم الترهيب لمحض التخويف فحسب، بل يؤكد تأكيداً شديداً جداً، بأن الخلود في الجنان وفي الجحيم حقيقة لا تقبل النقض بتاتاً.
قال تعالى:
(كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ فَرِیقًا هَدَىٰ وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ) (١).
والمعنى أيها الناس إن لكم نقطة عودة كما كانت لكم نقطة بداية، مع فارق أن البداية كانت بلا تحديد سعيد وشقي منكم، في حين أن العودة ستكون بتمييز السعيد من الشقي منكم.
الأنظمة التربوية البشرية تؤسس عوامل الجذب والتشويق، وكذلك عوامل الترهيب والنفور، على أمور ليست بالضرورة أن تكون حقيقية، وإن كانت فهي ليست أبدية، بخلاف الدين الإسلامي الذي يؤسسها على قضية حقيقية وأيضاً أبدية.
قال تعالى:
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52) ۞ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (53)) (٢).
يعني: يقال للظالمين ذوقوا العذاب الخالد والأبدي، وفي الواقع فهذا العذاب الأبدي ليس إلا مكتسباتكم، فنحن لا نجازيكم بأكثر من رد أعمالكم إليكم.
ويقولون لك يا رسول الله، أحقٌ ما تقول؟ هل فعلاً هذا الذي تقوله سيقع؟ أتزعم بأننا عائدون بعد الموت لنلتقي بأعمالنا؟
قل لهم يا رسول الله نعم، قل لهم نعم واحلف على ذلك وقل لهم بأنكم عاجزون عن منع وقوع ما أقوله عجزاً تاماً.
يقول العارف الفقيه الشيخ الآملي بأنه من المواضيع النادرة -إن لم يكن الموضوع الوحيد في القرآن- الذي أمر الله نبيه "ص" أن يحلف عليه، هو موضوع المعاد والجزاء الأبدي، هذا هو الموضوع الذي اشتد رفض الكفار له وكانوا يحلفون باستحالته، فقام النبي "ص" هو أيضاً بمواجهة حلفهم بالحلف، بأن ذلك واقع لا محالة.
إذن، النظام التربوي في الإسلام يقوم على أساس قضية واقعية ١٠٠% ولا سبيل إلى منع وقوعها أبداً.
واتضح كذلك، من المكتوب السابق، بأن الثقافة الغربية تعادي هذا الخلود في الشقاء الأبدي ولا تقره أبداً، وجماعة من المسلمين كذلك، امتنعوا عن قبول العذاب الأبدي، وفئات متنوعة من الناس أغلبهم من الشباب، باتوا غير مقتنعين بأنه ينبغي أن يكون هنالك شقاء بشكل خالد وأبدي، ولا يتصورون بأن الرب الرحيم، من الممكن أن يعذب أحدهم أبد الدهر.
ولكي نكون منصفين، علينا أن نذكر، بأنه وبجانب تردد هؤلاء في قبول ذلك، هناك أيضاً فئات عديدة من الشباب وغير الشباب، ممن يعتقدون بأن عدم وجود شقاء أبدي يساوي الهرج والمرج والفوضى وقلة الإنصاف وعدم العدالة.
وكما استعرضنا في السابق وجهات نظر أولئك، لنستعرض الآن وجهة نظر هؤلاء كذلك.
إنهم يقولون:
هل جربتم أن تنتهك أعراض زوجاتكم وأمهاتكم أمام أعينكم؟ هل رأيتم كيف يتم ذبح طفل رضيع في مهده وحضن أمه؟ هل رأيتم العبث بالأعضاء التناسلية لفتياتكم في عمر الزهور أمام أعينكم بأبشع الصور؟
هل رأيتم كيف تسيل الدماء البريئة؟ هل جربتم مشاهدة منظر احتزاز النحور الصغيرة؟
هل كان من قتلاكم أحد في صبرا شاتيلا أو في سراييفو؟ هل أفقتم يوماً من النوم وقد انتهك منزلكم وذبحت أطفالكم أمامكم؟
هل جربتم ما معنى سقوط قنبلة على أسرة، بينما طفلتهم تنظر من خارج المنزل حيث لا تزال تلعب في التراب؟
هل كان هارون الرشيد يحتفظ ضمن الرؤوس التي كان يحتفظ بها في خزنته، رؤوس أجدادكم؟ أم كل الرؤوس كانت لبني فاطمة أطفالاً وصغاراً وشيوخاً؟
هل كانت إحدى أخواتكم في سجون الحجاج الثقفي عاريات لا ستر عليهن؟ وهل أنجبت بنتاً لكم طفلها في سجون الإسرائيليين؟
هل لكم أقارب في الصومال ماتوا جوعاً؟ والولايات المتحدة تنهب طحين العالم ثم تحرق منه أطناناً حتى تحافظ على سعر الطحين للجشع الرأسمالي؟ أم هل كانت لكم رضيعة ماتت لحرمانها من الأنسولين في العراق بسبب الحصار الاقتصادي الجائر؟ هل رأيتم بتر ساق طفل لكم وقص أذن طفلة؟
أنتم لم تذقوا! كيف الإذلال والكراهية والمقت، ولم تشاهدوا سجن أبو غريب، ولم تذقوا مرارة هتك عرض، ولم تتضوروا جوعاً ولو لساعة.
لم تكن عماتكم بين النسوة التي قتل السفاح في عهد الإمام الصادق "ع" جميع رجالهم، ثم جمع الأطفال في ساحة وأمر بقتلهم واحداً واحداً. هل تستطيعون أن تأخذوا دور والدة عبد الرحمن والقثم أبناء عبيد الله بن العباس عامل أمير المؤمنين "ع" في اليمن، اللذان ذبحهما بسر بن أرطأة في حجرها فاختل عقلها؟ أم هل يمكنكم أن تتصوروا طفلاً لكم ضمن أطفال شيعة الكوفة لما جمعهم زياد بن أبيه ووضع في أعينهم حديدة حارقة؟
جئتم تتحدثون عن الرحمة للقتلة وأعداء البشرية وأعداء الطفولة البريئة، تتحدثون عن المعيشة تحت سقف النعيم مع الذين هتكوا الأعراض وسفكوا الدماء؟
إن كنتم تريدون هذا فنحن ضحايا هذه الوحشية هيهات أن نقبل لهؤلاء القتلة غير العذاب الخالد الذي لا تخفيف فيه ولو لساعة.
ولو كان الرب لا يفرق بين المجرم المتأصل جرماً وحقداً على البشر، وبين المطيع له، فهذا الرب لا شك لا يكون رباً عادلاً، وناصراً للمظلوم بتاتاً.
لا يمكن لهكذا رب أن يكون مستحقاً للاحترام فضلاً عن العبادة! إنه رب فقد التمييز بين الشرير المتأصل شراً وبين الأخيار. فكيف فقد هذا التمييز؟ أين علمه؟ أين إنصافه؟ كيف عجز عن التحكم في رأفته حتى شملت أعتى المجرمين؟
إذن ليمحو ذكرياتنا ويثلج مشاعرنا ويقضي عليها، حتى لا نتذكر شيئاً مما فعلوه عندما نلتقي بهم على موائد النعيم، أو نطل على منازلهم في الجحيم فنراهم يضحكون ويتسامرون وتوزع عليهم هند آكلة كبد حمزة التمر فرحة!
إذن، نحن أمام فئة، تتعجب من طول مكوث أهل النار في العذاب، وتتمنى زواله ولو لم يكن بالأساس، وفئة تراه معياراً لعدالة الرب ولا تقبل أن يصبح خفيفاً ولو لدقيقة.
فئة مارست عملياً التفافاً حول صريح الألفاظ القرآنية المؤكدة لخلود العذاب في محاولة غير موفقة لتغيير معانيها ومقاصدها، وفئة تطرب لوجودها بهذا النحو وتدافع عن محاولات صرفها عن ظواهر معاني ألفاظها.
وتتضح أيضاً، المؤثرات التربوية والبيئية والحياتية الأخرى التي لعبت دورها في صياغة توجهاتهم.
فأي المواقف يتخذه الإسلام من بين الموقفين؟ وهل من معيار ممكن ضبطه في إجلاء الموقف؟
الواقع، وقبل سبر أغوار الموضوع العميقة والتي تنتهي إلى أسماء الله الحسنى، لعل الموقفان الماران معاً، يحتاجان إلى تعليق هام أذكره في تكملة الموضوع في الحلقة الثالثة.
(١) سورة الأعراف، الآيات ٢٩-٣٠.
(٢) سورة يونس، الآيات ٥٢-٥٣.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان