مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

التّنمّر مظهر الحقد

تحدث أمير المؤمنين عليٌّ (ع) عن الحقد والحقود فقال:

ـ أَلْأَمُ الخُلُقِ الحِقْدُ.

ـ الحِقْدُ مِنْ طَبَائِعِ الأَشْرَارِ.

ـ الحَقُودُ مُعَذَّبُ النَّفْسِ، مُتَضَاعِفُ الهَمِّ، وَأَشَدُّ القُلُوبِ غِلًّا قَلْبُ الحَقُودِ.

ولكي يبين أنه لا شيء يستحق أن يتحاقد لأجله، قال: الدُّنْيَا أَصْغَرُ وَأَحْقَرُ وَأَنْزَرُ مِنْ أَنْ تُطَاعَ فِيهَا الأَحْقَادُ[1].

ليس الحقد صفة لئيمة بل هو أكثر الأخلاق لؤمًا، ولعل ذلك لأجل أن الغالب أن الحقد بلا أسباب حقيقية أو أنه ليس بالمقدار الطبيعي.

ويزداد الحقد سوءًا لأنه في الغالب يحرك الحاقد على إيذاء من يحقد عليهم، بلسانه أو يده وبانتقام فظيع تغذيه المشاعر المتطرفة، فلا يلجأ الحاقد للقانون فضلًا عن الأخلاق، ولا يأخذ حقه ـ لو كان له حق ـ بمنطق من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم! وإنما يستأصل قبيلة كاملة أحيانًا لأجل فرد واحد، ويقتل جيلًا لأجل شتيمة! وقد يكون بلا سبب أصلًا حتى مثل هذه الأسباب التافهة، مثلما نرى فيما يسمى بجرائم الحرب والإبادات الجماعية، حيث يقوم فريق أو زعيم بارتكاب أعظم الجنايات في فئة من الناس لا لسبب واضح، فضلًا عن أن يكون عادلًا!

هذا ما نجده في السياسة والتاريخ، وتتحدث عنه الأرقام والوقائع. وقد نجده على مستوى أضيق كما يحدث أحيانًا في محيط العمل أو الدراسة.. ففي العمل قد يتقصّد رئيسٌ نافذ أشخاصًا فيحول بينهم وبين الترقية، بل قد يصطنع المعكرات لإلغائهم من العمل وإقالتهم. وهذا لا لأنه يخسر مالًا أو تتأثر وظيفته ومنصبه وإنما هو مستسلم هنا لحالة حقد تجاه هؤلاء الأشخاص بالذات، أو قوميتهم، أو تجاه دينهم، أو مذهبهم فلأنه (لا يحب، بل يحقد على تلك القومية أو الدين أو المذهب) فيخرج أضغانه في حق هؤلاء ويقطع رزق أطفالهم، وخبز عوائلهم! أرأيت كيف يكون الحقد ألأمَ الخُلق كما يقول أمير المؤمنين؟.

وكونه موجودًا في المحيط الأضيق لا يقلل من سوئه بل قد يزيد، والسبب أن دائرة الابتلاء به ستكون أوسع والضرر اللاحق بالناس سيكون أكثر.

لذلك نجد أن إحدى المشاكل اليوم في المدارس بمختلف مستوياتها من الابتدائية للجامعة، هو ما يسمى بالتنمر (وربما سمي في بعض الدراسات والمقالات بالاستئساد) وهو مظهر متفرعن من مظاهر الحقد الداخلي!

والتنمر وهو الاسم الاكثر شيوعًا، مأخوذ من اسم النمر، وهو الحيوان المعروف الذي يعتمد على تخويف الفريسة بأن يزأر في وجهها ثم ينقض عليها.. ولأن من يقوم بهذا العمل بالنسبة لمن هو أضعف منه، يمارس نفس الطريقة من التخويف والإرعاب، اشتق اسم هذا الفعل من الممارسة الحيوانية المتوحشة.

وقد يظهر التنمر وهو ناشئ من الحقد في مظاهر، منها: المظهر اللفظي فيبادر المتنمر الحاقد إلى الإساءة اللفظية له والسباب والشتيمة أو السخرية والاستهزاء به بين الطلاب لكسر شخصيته وتحطيمها! ولو أراد المتنمَّر عليه أن يرد على المعتدي إساءته، يبدأ بالاعتداء عليه بالضرب أو يستعين بمن يتفق معه على إهانة ذلك الشخص وإخافته!

وقد يكون السبب تافهًا أو ليس باختيار المعتدى عليه، كأن يكون أكثر وسامة من المعتدي! أو أن يكون أذكى منه في الدراسة والتعلم! فإن كون المعتدى عليه صاحب درجات عالية في مواد الدراسة قد يجلب له متاعب من المتنمرين!

لأنه بينما كان هذا يطالع درسه بجد ويعكف على المذاكرة، كان المتنمر مشغولًا بالألعاب وإضاعة الأوقات!

إن تحول الحقد - وهو ألأم الخلق، كما عن أمير المؤمنين  - من حالة قلبية داخلية إلى ممارسة خارجية و(شر)، في صورة ألفاظ كالشتائم والسخرية، وأمثال ذلك فضلًا عن صور الاعتداء الأخرى البدني، وربما الجنسي! هو أمر خطير في العملية التربوية، وقد يبتلى به في المدارس بشكل خاص، نظرًا لأنها مجتمع يومي لعدد كبير من الأحداث (بنين أو بنات) ومن الطبيعي ولإثبات الذات ينشأ بينهم منافسة تغالب وهذه قد تكون شريفة إذا كانت ضمن أصولها، وقد تنجر إلى تحاقد وتنمر من قبل شخص أو أشخاص على آخرين.

ومن المهم أن يتنبه لهذه الحالة، التربويون وقادة المدارس والمدرسون أيضًا لا سيما مدرسو الصفوف المتوسطة والثانوية، بل ومن المهم أن يلتفت الآباء والأمهات ألّا يشجعوا نزعة التنمر في نفوس أولادهم تجاه الطلاب الآخرين.

فقد يحدث أن ينشأ الولد أو البنت في بيئة تشجع الحقد والتنمر في داخل الأسرة.. مثلًا عندما ينقل لي ابني الطالب، أن فلانًا قد جمع جماعة على الطالب الفلاني وضربوه ضربًا مبرّحًا، ونعم ما صنعوا لأني لا أحبه! فإذا تجاوبت أنا الوالد مع هذا النقل والكلام أكن كمن يشجع حالة التنمر عنده وأما لو خطّأت ما صنعوا وأخبرته أن فلانًا حتى وإن كنت لا أحبه لكن لا يصح أن أفرح لأن آخرين قد اعتدوا عليه واجتمعوا على إيذائه وإنما الصحيح أن يتم الرجوع إلى إدارة المدرسة!

إن من الطبيعي أن يحب الطالب من ينتقم له ومن يعادي عدوه! وكذلك أن يعجبوا بالقوي الشديد، لكن إذا استخدم هذا في الاعتداء فينبغي إدانته وعدم القبول به، أما الأبناء لكيلا يعطى قيمة إيجابية! بل لا بد من بيان أنه لا يجوز من الناحية الشرعية وأن الاعتداء حرام!

ينبغي أن نلقن أبناءنا أن ممارسة الحقد والتشفي، وفعل التنمر والاعتداء على الآخرين غير صحيح وينبغي أن نخطِّئ هذا العمل، وأن لا نقبله، سواء فعله ابننا، أو فعله شخص آخر غيره. وإلا كانت بيئتنا من البيئة التي تشجع هذه الحالة عند الطفل.

ومن العوامل التي تشجع التنمر هي بيئة العنف التي تصنعها الألعاب الإلكترونية. فإنه مع كون الطفل يملك طاقة كبيرة، وشحنة حماس، فإنها تتفاعل مع المفردات المستعملة كثيرًا في تلك الألعاب، اسحق جمجمته، اقتله!، مزقه! وهذه بالإضافة إلى أنها تنمي حالة التنمر والعدوانية عنده، تجعله لشدة الانسجام معها لا يفرق بين ما هو على الشاشة وما في الواقع، والمشكلة إذا بني ذهنه على أساس أن الانتصار هو بسحق الآخرين والفوز هو في تحطيمهم! وهذا تشويه ثقافي وعقلي خطر!

وهو هنا لكثرة ما شاهد ومارس ولعب لا يلتفت إلى ما هو أخلاقي أو شرعي وإنما إلى أن يحطم من يراه عدوه ويسحق من يواجهه. من دون سؤال: هل هذا جائز شرعًا؟ أو صحيحٌ عقلًا؟ أو حسنٌ أخلاقًا؟

ينبغي أن نواجه عوامل الحقد، بدواعي الحب، وأن نربي من حولنا على ذلك، بل نعلم أبناءنا على حب من يكون مجدًّا ومتميزًا ومتفوقًا لأنه لم تأت هذه الصفات من فراغ وإنما من بذل الجهد!

ــــــــــــــــــــــــــ

[1].. الري شهري؛ الشيخ محمد: ميزان الحكمة 1/ 648

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد