مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

اليأس والقنوط (1)

(وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[1]

اليأس والقنوط، هو المقابل المضاد للرجاء والأمل. فالذي يرجو رحمة ربه، يقابله اليائس منها، وهكذا فمن يمتلك الأمل بالفرج وانكشاف الهموم، يقابله القانط الذي لا يتوقع الخير أبدًا! واليأس والقنوط من الأمراض تكشف عن نقص إيماني كبير عند من تعرض عليه.

وربما يتصور البعض أن اليأس والقنوط مختص بالذنب وما يترتب عليه من العذاب، أو شمول الرحمة الإلهية. بحيث يرى الشخص نفسه مذنبًا فييأس من شمول رحمة الله له، ويقنط من ذلك. إلا أن المتأمل في المعنى يرى أن القنوط قد يكون عامًّا في الحياة، وأن هذه الصفة عندما تتملك إنسانا تفسد عليه أمور حياته كلّها، وأنه لا اختصاص بها بالأمر الديني.

 

بل إن السياق الذي جاءت فيه الآية المباركة هو في أمر دنيوي! على أن رحمة الله التي وسعت كل شيء واليأس منها يعني اليأس من انفتاح أبواب الخير في كل المجالات؛ من الرزق والعلم والذرية والرفاه وغيرها..

إن السياق[2] الذي جاءت فيه الآية المباركة هو أن الملائكة بشرت نبي الله ابراهيم بغلام، فكأن هذا كان تذكرة له بأن عمره بات كبيراً! وعندما أشاروا إليه بأن لا يكون من القانطين نفى ذلك لهم، وعلّله بأنه إنما يقنط من رحمة الله ونعمته ورزقه لا بد أن يكون ضالًّا غير مصيب للمعرفة الصحيحة بالله.

وبشكل عام. فإننا بملاحظة اجتماعية قد نجد أناسًا، يطبع حياتَهم التفاؤل، ويعيشون مع الرجاء، ويتميزون بالتوكل على الله، والثقة بتقديراته، فهم حتى لو كانوا في أسوأ المشاكل، وأعقد المعضلات يعتقدون جازمين؛ أن رحمة ربه قريب من المحسنين. وأن الله سبحانه وتعالى هو فارج الهم وكاشف الكرب من حيث كان يحتسب هؤلاء أو لا يحتسبون.

 

عندما يواجه أحد هؤلاء مشكلة، يفكر لها في حلول، حتى يستنفد حلوله الخاصة، وهنا لا ينتهي الأمر به إلى اليأس والقنوط من جراء محاولة الحلول التي لم تنجح، وإنما يبقى عنده في الأخير أمل كبير في أنه بعدما عجز عن اجتراح الحلول الخاصة به لم يبق إلا (رحمة الله).

وقد نقل عن بعض العلماء وأصحاب الأذكار، أنه إذا ضاقت به السبل: سبل المعيشة وغيرها، وانسد أمامه الحل البشري، يلجأ إلى ذكر معروف بينهم، فيقرأ بعد الصلاة: آية الكرسي، ثم تسبيح الزهراء (ع) ثم سورة التوحيد ثلاثًا، وهي بمثابة ختم للقرآن - كما ورد في روايات متعددة - ثم يصلي على محمد وآله ثلاثًا. اللهم صل على محمد وآل محمد. ويختمها بالآيتين المباركتين: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (*) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[3] ثم يقرأ هذا الدعاء: "يَا مَنْ إِذَا تَضَايَقَتْ الأُمُورُ، فَتَحَ لَهَا بَابًا لَا تَذْهَبُ إِلَيهِ الأَوْهَام، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لِأُمُورِي المُتَضَايِقَةِ بَابًا لَم يَذْهَبُ إِلَيهِ وَهْمٌ"[4].

فحتى لو انسدت الأبواب المحتسبة، والحلول المقترحة في ذهني. فينبغي أن أفكر في أن هناك أبوابًا وطرقًا لم يصل إليها وهمي وخيالي، وأنها عند الله سبحانه، وهذه هي إحدى المسافات بين العبد الناقص والرب الكامل، بين العبد العجز وبين السميع البصير ومن هو على كل شيء قدير.

 

إن هذا النمط من التفكير ناشئ عند هؤلاء من حسن الظن بالله، والثقة به وينتج كما وردت به روايات كثيرة: "أَنَا عِنْدَ حُسْنُ ظَن عَبْدِي بِي".

كما تتيح لنا النظرة الاجتماعية في الطرف المقابل أشخاصًا يائسين متشبعين بالقنوط، يقيدهم عن الشعور بالأمل، ويلون لهم الحياة باللون الداكن! فمنهم مع أول مشكلة تراه محبطًا متعبًا يتساءل: لماذا أنا؟ وليس غيري؟ وكأنه كان ينبغي أن تذهب المشاكل إلى الآخرين وتتخطاه، حتى إذا اقترح عليهم أحدهم حركة أو حلًّا راح هذا يقنعه بأنه لا فائدة في ذلك ولا منفعة! فإن حظه ـ هكذا يقول ـ سيء وأنه لو ذهب إلى ماء البحر لجفّ! ثم يبدأ بالبرهنة لمخاطبيه ومحرضيه على أنه جرب الحلول كلها في موضع سابق فلم تزد المشكلة إلا تعقيدًا! وهكذا.. حتى ليحسّ الجالس معه أن عليه أن يفارقه لئلا يفسد عليه متعة الحياة بالأمل! إن طبيعة هؤلاء السوداوية واليائسة تجعلهم دائما يتوقعون أسوأ الاحتمالات في كل قضية تعرض لهم! ويبعدون أي بارقة أمل! وبالطبع فإن من يزرع الشوك لا يجني العنب، وأن النتائج تأتي بحسب المقدمات التي جهزت.. فلا يلقى هؤلاء غير السوء! لأنهم لم يزرعوا غير شجرته.

بل حتى عندما تذكره بأن الله على كل شيء قدير، وأن رحمته وسعت كل شيء، و(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[5].. فهو وإن كان يؤمن نظريًّا بكل ما سبق إلا أنه بينه وبين ونفسه ليس مقتنعًا بأن هذا مرتبط بموضوعه! فالله على كل شيء ـ من الأشياء الأخرى ـ قدير! وإن مع العسر يسرًا! لكن قضيته تختلف! ولعل هذا إذا تكرس في الإنسان كعقيدة، سيتحول هذا من (الضالين) غير العارفين بقدرة الله وسعة رحمته الذين تم وصفهم في الآية المباركة إلى (الكافرين) الذين تحدثت عنه الآية المباركة (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

ـــــــــــــــــــــــ

[1] الحجر:56

[2] الحجر: 53ـ 56 (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (*) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (*) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (*) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).

[3] الطلاق: 2ـ 3

[4] نسب هذا الدعاء للإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه كما في صحيفة المهدي 1/ 6

[5] الشرح: 6

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد