مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

اليأس والقنوط (3)

اليائس والقانط لا يفهم شيئًا مما سبق، وإنما يزيده البلاء نكوصًا، والمشاكل فشلًا، فيقول لك بالصراحة وضعي يسوء يومًا بعد يوم، وصحتي تتدهور وأمراضي تزيد، وتجارتي تخسر.. ويقرأ عليك قائمة بما يتوقعه من الأمور السيئة! مما هو تطبيق لما قاله الله سبحانه عن دور الشيطان في حياة الإنسان في أنه (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)[1]. فالشيطان عمله أن يسوّد صورة المستقبل في وجهك، وأن يخبرك ـ وهو كاذب ـ بأن السوء هو في انتظارك.

ولك أن تجرّب هذا.. وقد حصل لي أن كنت أشجع أحد الأزواج الشباب على أن يتواصل مع زوجته التي حدث بينها وبينه سوء فهم أدى للخصام، وأن يتكلم معها كلامًا طيبًا، فإن الأمور سوف تتحسن إن شاء الله تعالى. فقال لي: كلا، لن يحدث شيء حسن، بل سيحدث العكس وستزداد المشاكل!. قلت له: لماذا؟ قال: لأني أعرفها!. قلت له: هل عندك علمٌ من الغيب بأنه سيحدث العكس ولم يطّلع عليه غيرك؟ قل لي: هل تستطيع أن تخبرني ماذا سيحدث بعد عشر دقائق؟ قال: كلا! قلت: كيف تقول هي لن تفعل! لن تستجيب! لن يحصل إلا الشر! هل أخبرك أحدٌ بهذا المستقبل؟

نحن حين نقول سيكون خيرًا إن شاء الله، فهذا أولًا مقيد بمشيئة الله تعالى، وثانيًا فإن ذلك مبني على مواعيد الله عز وجل الذي يقول (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[2].. فترى أحدنا يصدق أوهامه التي يغذيها الشيطان وهو (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) ويترك وعد الله الذي لا يخلف الميعاد (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا)!

لذلك الذي يقول: لن تتأثر زوجتي بالكلام الطيّب ولن يحصل منها غير الشر! ولذلك الذي يقول أوضاعي تسير من سيء إلى اسوأ وحالي من مرض إلى أمراض! وتجارتي من كساد إلى ما هو أكثر كسادًا! نقول: تركت قول الله تعالى الذي يقول: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) ويقول: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) وهي الحقائق الثابتة والذي سيجريها هو بها ورب الكائنات، وصدقت قول الشيطان المرجوم باللعنات الذي لا يستطيع أن يصنع شيئًا إلا في حق من يطيعه من البشر.

إن من الآثار السلبية للقنوط واليأس هو تناقص الإيمان بالله وضعفه، وتطرق الخلل إليه.

كما أن من الآثار السلبية للقنوط واليأس توقف الإنسان المصاب بهذا المرض عن العمل والفاعلية، بخلاف ذلك الذي يمتلك الأمل والرجاء، وهذا واضح، لقد نقلوا في القصص أن أحد الأولياء مر على فلاح يحرث الأرض بجدّيّة ويزرع فيها بحماس، فأكبر في نفسه حماس الفلاح حتى إذا مضى في شأنه ورجع في طريقه، فرآه قد ترك مسحاته جانبًا واضطجع بكسل ولا مبالاة، وحين تعجب من ذلك أقبل عليه يسأله عن ذلك الحماس أول النهار وهذا الكسل في ما بعد! فأخبره بأنه في أول الصباح كان يفكر أن الله سبحانه سيطيل عمره وأن لديه عيالًا يحتاجون إلى نفقات لهم، حتى يكبر الصغير ويتزوج الكبير فلذلك كنت متحمسًا.. ولكن فجأة خطرت لدي خاطرة، وهي أنه من يقول إنني سأبقى إلى يوم غد؟ فإن سني كبير، ومن هم في مثل عمري قد توفوا! فما الداعي لأن أتعب نفسي بهذا المقدار، ولن أعمر لأرى ثمرة هذا التعب؟

وسواء كانت هذه القصة حقيقية أو رمزية إلا أنها تدل على أثر الرجاء والأمل في العمل، وأثر اليأس والقنوط في التقاعس عن العمل والإنتاج.

 

الأذكار الدّينية والأمل بالله:

تقوم الأذكار الدينيّة بدور مهم في تكريس عنصر الرجاء والأمل بفتح الله ورحمته، وتيسير الأمور لمن يتوكل عليه، ولذلك فمن المهم النظر إلى الأذكار لا على أنها ألفاظ سوف تستتبع الثواب والأجر بذكرها فقط وإنما بالإضافة إلى ذلك ينبغي النظر إليها على أنها (ثقافة) و(معرفة) أسمى بالحياة، وجزء من (التعليم) وبناء الشخصية المؤمنة.

ـ إن من التوصيات التي وردت، أن يبدأ الإنسان يومه بالقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

إذا تأمل الإنسان في مثل هذا الذكر، وفهم معناه فإنه لن يقول إن المدير الذي هو فوقي يمنعني من الترقية ويحول بيني وبين النجاح.. لماذا؟ لأن (الملك كله لله) وأنه (لا حول ولا قوة إلا بالله) فلا أحد يستطيع التصرف من غير ممانعة إلا خالق هذا الكون، وأنه لا توجد قدرة ولا قوة في الواقع إلا بالله ومن الله، وهذه الحقائق تجعل المؤمن يردد وهو مطمئن لما سيصيبه (توكلت على الله).

ـ من الأذكار ما نقله الشيخ الكليني في الكافي، عن محمد بن الفرج (قَالَ:كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ الرِّضَا عليهما‌ السلام بِهذَا الدُّعَاءِ، وَعَلَّمَنِيهِ، وَقَالَ: «مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْتَمِسْ حَاجَةً إِلاَّ تَيَسَّرَتْ لَهُ، وَكَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ: بِسْمِ اللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ الله سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا)، (لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) مَا شَاءَ اللهُ، لَاحَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ، لَا مَا شَاءَ النَّاسُ، مَا شَاءَ اللهُ وَإِنْ كَرِهَ النَّاسُ، حَسْبِيَ الرَّبُّ مِنَ الْمَرْبُوبِينَ، حَسْبِيَ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، حَسْبِيَ الرَّازِقُ مِنَ الْمَرْزُوقِينَ، حَسْبِيَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ حَسْبِي مُنْذُ قَطُّ، حَسْبِيَ اللهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ».[3]

فإذا مرر الإنسان هذا الذكر على صفحة قلبه وعقله كل يوم واعتقد جازمًا أنه ما شاء الله هو الذي يكون لا ما شاء غيره، بل وإن كره الناس جميعًا فإن مشيئة الله وإرادته هي التي تتحقق، أما ما يشاء بعض الناس من مدير أو رئيس فهو غير نافذ ما لم يأذن الله سبحانه.. وإذا كان كذلك فليفوض الإنسان أمره إلى الله لأن النتيجة ستكون (فَوَقاهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا)، وإذا اجتمع الناس ضد هذا الشخص لكنه احتسب عند الله وأوكل الأمر إليه فإن النتيجة ستكون أن ينقلب (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).

وجزء من هذا الدعاء هو الذي احترز به إمامنا جعفر الصادق (ع) من المنصور العباسي عندما استحضره؛ لكي يقتله.

ـ ومن الأذكار التي يروى أنها مؤثرة في الفرج والخلاص من المآزق ما نقله سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه قصص الأنبياء: بإسناده فيه إلى أبي عبد الله (ع) قال: لما ألقى إخوة يوسف يوسف صلوات الله عليه في الجب نزل عليه جبرئيل (ع) وقال: يا غلام من طرحك في هذا الجب؟ فقال: إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني قال: أتحب أن تخرج من هذا الجب؟ قال: ذاك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب! قال جبرئيل، فإن الله يقول لك: قل: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا، وترزقني من أحتسب ومن حيث لا أحتسب).

 

لماذا نذكر الله ولا يتحقق مطلوبنا؟

إن من المهم الالتفات إلى أن الجزاءات الدنيوية المبينة في هذه الأذكار كأثر من آثارها لا تعني التحتيم على الله بحالٍ من الأحوال، فعندما يقال مثلًا ما دعا بهذا الدعاء أحدٌ إلا قضى الله حاجته، أو فرّج همه.. فلا يعني حصوله حتمًا وفي اللحظة التي ينتهي فيها الدعاء أو الذكر، فإنه لو كان الأمر هكذا لاختل النظام، فما أسهل أن يقول شخصٌ ما عدة كلمات لكي تتحقق كل مطالبه ومسائله!

وإنما كما قرره العلماء في باب الدعاء، فإنه لتأثير الدعاء والذكر لا بد من شروط في الداعي والذاكر، وشروط في الدعاء والذكر، وشروط أخرى ترتبط بحكمة الله سبحانه في إدارة الكون، وأن الاستجابة هنا موافقة للحكمة أو لا، وهل الاستجابة السريعة هي المناسبة للحكمة أو الإبطاء فيها! فقد يحصل بالنسبة لمن يطلب الرزق الوفير ويلح في ذلك أنه (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) في هذا المورد بينما قد يكون في مورد آخر موافقة الحكمة تتطلب التعجيل في الاستجابة.. وهكذا.

ويبقى الإلحاح على الله والاستمرار في الدعاء والذكر مطلوبًا دائمًا، إذ فيه آثار كثيرة، فمنها:

أولًا: فيها اقتضاء أن تتحقق حاجات الإنسان إذ هناك فرق بين طلب واحد وبين طلبات متعددة، ولا سيما وقد أخبرنا أن الله تعالى يحب الإلحاح عليه من جهة العبد بل يحب انقطاع العبد إليه، واضطراره إلى خالقه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).

وثانيًا: مع فرض تأخر الإجابة، فإن كثرة الدعاء والذكر تزيد إيمان الذاكر والداعي وتكمله، ذلك أن ذكر الله سبحانه يصنع طمأنينة في القلب وهدوءًا في النفس (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

صحيح أن الطلب المحدد والأثر الخاص المترتب على الدعاء أو الذكر لم يتحقق، لكن حصل ما ربما يكون أفضل من ذلك المطلوب، ألا وهو زيادة الايمان، والتعلق بالله.

وثالثًا: فإن من آثار هذا الذكر الأخروية الثواب ورفع المنزلة، فإن من يذكر الله يذكره الله طبقًا لما قال الله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] البقرة: 268

[1] فصلت:35

[1] الكليني ؛ الکافی- ط دار الحدیث 4 / 478

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد