مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

هل أنّ زرع فكرة التكامل مضر؟

 

السيد عباس نورالدين
أجد مصطلح perfect kid مصطلحًا خطرًا جدًّا على الناحية النفسية للطفل لأن سعي الطفل للكمال اللاممكن سينتهي به إلى الإحباط وتضاد المشاعر وتضخم المكبوتات، وسيؤثر ذلك على مستقبله العلمي والعملي وحتى على حياته الزوجية وأدواره الاجتماعية، وسيتولد لديه أفكار لامنطقية المعبر عنها في علم النفس ب irrational believes. (الطفل الذي انتحر لعدم تفوقه مثال)
وأفرق هنا ما بين السعي إلى الكمال بطريقة سليمة بل مطلوبة(أحب تسميتها السعي إلى التميز لأن كل إنسان له سماته الخاصة).. وما بين عيش الكمال الذاتي كصفة لازمة... وهنا تكمن المشكلة..
لذا أقول: فلنفرح بأولادنا كما هم ونقبلهم كما هم.. ولنكافئهم على ال ١٢ علامة التي حصّلوها مثلًا.. بدلًا من محاسبتهم على العلامات الثماني التي لم يحصلوا عليها. 
وحين ننتقل من ثقافة العلامات والتفوق إلى ثقافة البحث والمعرفة والتميز الفردي من خلال قبول الاختلاف الشخصي في الصفات والسمات.. نكون قد خطونا باتجاه تحرير أبنائنا من قيود مثقلة ومجهدة..
 ربما يُقال أنّ زرع فكرة التكامل في نفوس الأطفال قد يؤدّي إلى إيجاد ضغوط نفسية هائلة عليهم تدفعهم إلى حالات كارثية من اليأس والإحباط. 
لحل مثل هذه الإشكالية نحتاج أولًا إلى تحديد المعنى الحقيقي للكمال، وبيان المقصود من التكامل والسعي نحو الكمال.
لا شكّ أنّ من عوامل اليأس التي قد تؤدي إلى الانتحار في بعض المجتمعات، هو عدم وصول الناس إلى ما يصبون إليه ويطلبونه بشدة؛ لا سيما بعد بذلهم للجهد الكبير واعتبار أنّهم قاموا بكل ما عليهم ولكن دون جدوى. إذا اجتمعت هذه الحالة مع ثقافة عدم فهم قيمة الحياة ـ لأنّ الانتحار ينشأ بفعل الثقافة وليس شيئًا ينشأ من تلقاء الإنسان أو من ذاته ـ فإنّ ذلك سيؤدي إلى اليأس والكارثة. 


لكن هل أنّ التكامل والسعي نحو الكمال هو السبب الحقيقي لمثل هذا الشعور السلبي أم أنّ هناك عوامل أخرى مسؤولة عنه، وقد اختلط الأمر على البعض فظنّوا أنّ التكامل هو السبب؟
أول شيء ينبغي أن نعرفه هنا هو الفارق الدقيق بين الرؤية الإسلامية والرؤية العُرفية أو تلك التي نسمع عنها في مناهج علم النفس الحديث في تحديد معنى الكمال والتكامل. فبالإضافة إلى الاختلاف العميق في تحديد حقيقة الكمال، فإنّ التكامل وفق الرؤية الإسلامية يعني قبل أي شيء أنّ الطريق إلى الكمال متوفر وسهل ويسير، ولو أنّ الإنسان نوى أن يصل إلى الكمال ولكن منعه مانع فإنّه يصل: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ‏ بِالنِّيَّات‏".[1]وعليه ووفق هذه النظرة الإسلامية للتكامل لا ينبغي للإنسان أن يقع في فخ اليأس أبدًا.
حين تشتد الظروف وتحيط الموانع المختلفة بالإنسان عليه أن يستبشر، لأنّه قد يكون أقرب ما يكون إلى الكمال المنشود، وإلى تحقيق رغبته التي ترتبط بالكمال الحقيقي. وفيما لو لم يتحقق له ما يريد فهذا يعني شيئًا واحدًا وهو أنّ ما كان يريده ويرغب به لم يكن كمالًا حقيقيًّا، ومع ذلك يعوّضه الله تعالى برحمته وعطفه عن ذلك: أولًا بأن يُبصِّره بحقيقة الكمال حتى يُفرِّق بين الكمال الوهمي والكمال الحقيقي، وثانيًا بأن يفتح له طريق الوصول إليه لحسن نيّته وصفاء قصده. 
الكمال الحقيقي لا يعني حصول الطالب على العلامات القصوى؛ بل التوفيق للدراسة والتعلم الذي هو أهم من العلم نفسه، ومثل هذا الشخص لن يمنعه مانع. ولو حصل أن اشتدّت الظروف ومنعت الإنسان من الدراسة والتعلّم بالطريقة التقليدية، فإنّ الله عز وجل يفتح عليه أبواب التعلم وطرق غير تقليدية لطلب العلم يُعبَّر عنها بالعلم اللدني.


إنّنا نحن من يضع المعنى الخاطئ للكمال أمام أبنائنا ونصرّ عليه، وذلك حين نفترض أنّ تحقيق الإنجازات الاجتماعية أو الحصول على العلامات العالية والشهادات هو الكمال الواقعي. لذلك حين لا يُوفّق أبناؤنا في الإمتحانات في بعض الأحيان، لا لتقصيرٍ منهم بل لعدم اطّلاعهم على هذ النوع من الأسئلة مثلًا، لا سيّما في بعض امتحانات الدخول إلى الجامعات التي تختلف مناهجها بالكامل، فهذا لا يعني أنّهم لم يصلوا إلى الكمال، لأنّ الدراسة والسعي والتعلّم وما حصلوا عليه من علوم ومعارف ومهارات هو الكمال بحدّ ذاته.
إنّنا نحن الذين نفترض أنّ الحصول على بيت فاره وسيارة حديثة وزوجة جميلة ومناصب هو الكمال. وإنّنا نحن من يفترض أنّ الارتقاء في المراتب الاجتماعية والاعتبارات والشأنيات هو الكمال. فنحن الذين نفترض العديد من الكمالات الوهمية على أنّها كمالات حقيقيّة، وفي مثل هذه الأمور يكون الطريق غير مُيسّر حتمًا؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يُيسِّر إلّا طريق الكمال الحقيقي "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ‏ لَه‏"[2]كما جاء في الحديث الشريف. ولأجل ذلك، من المتوقع لمن تعلق قلبه بالكمالات الوهمية أن يُصاب باليأس والإحباط الذي قد يكون قاتلًا أحيانًا، أمّا طريق الكمال الواقعي فهو مفتوح للجميع وكل من يطلبه يجده إن شاء الله.
ـــــــــ
[1]. بحار الأنوار، ج4، ص 282.
[2]. وسائل الشيعة، ج1، ص 48.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة