قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات 49

 

إنّ هناك في كلّ ذرّة من الذرّات نواة مجهريّة ذات شحنة كهربائيّة موجبة وتدعى «بروتون»، وفي أطرافها مجموعة من الإلكترونات الدوّارة ذات شحنة كهربائيّة سالبة. وباعتبار تساوي شحنة جميع الإلكترونات مع شحنة النواة، فإنّ الذرّة ستبقى في موضعها، لأنّ الشحنتين الموجبتين والشحنتين السالبتين التي تشترك في الجنس تتنافر مع بعضها وتبتعد عن بعضها بتعجيل معيّن. أمّا الشحنة الموجبة المختلفة في الجنس مع الشحنة السالبة فتقترب منها لحصول التجاذب بينهما. وهذا العمل مشهود في تجارب الكرات المعلّقة ذات الشحنات الموجبة والسالبة.

 

وبناءً على هذا فإنّ هناك قوى جذب وطرد في جميع الموجودات، حتى في الشمس والسيّارات، وهذه الحركات المنظّمة قائمة على أساس هذا الجذب والطرد بين القوي اللذين أوجدا الزوجيّة فيها.

 

وأوّل مَن أزاح الستار عن هذا السّر القرآنيّ، وأسفر للبشريّة عن جماله الذي يشغف القلوب هو أمير المؤمنين عليه السلام الذي أورد خطبة غرّاء بديعة في إثبات التوحيد، تحدّث فيها عن التجاذب والتنافر، وتآلف الأشياء وتفرّقها؛ واستند فيها على هذه الآية المباركة.

 

روى الشيخ الكلينيّ في كتاب «الكافي» عن محمّد بن أبي عبد الله مرفوعاً، عن أبي عبد الله عليه السلام خطبةً مفصّلة لأمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها: (ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ، وَاليَبَسَ بِالبَلَلِ، وَالخَشِنَ بِاللِّينِ، وَالصَّرْدَ بِالحَرُورِ؛ مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا، وَمُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا؛ دَالَّةً بِتَفْرِيقِهَا على مُفَرِّقِهَا، وَبِتَألِيفِهَا على مُؤَلِّفِهَا؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»). «1»

 

وفي هذه الخطبة الشريفة إشارة إلى أنّ جميع الموجودات لها حالتا تضادّ. فهي متآلفة حال افتراقها وتعاديها، ومفترقة حال اتّحادها وائتلافها؛ وهذا هو المراد من الزوجيّة الواردة في الآية الكريمة. أي أنّ المراد والمقصود من كلمة زَوْجَيْن هو التعادي والتآلف الموجود في كلّ ذرّة، وصولًا إلى السماوات والمنظومة الشمسيّة والمجرّات.

 

تدور الإلكترونات حول النواة المركزيّة التي تضمّ البروتونات؛ فتكون النواة بمنزلة زوج، والإلكترونات الدائرة الزوج الآخر؛ وتركيب الأجسام إنّما يحصل من هذه الأزواج. ونظم وترتيب وحركة جميع المنظومة الشمسيّة قائم على هذا الأساس. فهي في حال تآلفها، دالّة بالافتراق الحاصل بينها على الله المفرّق بينها، لأنّ التآلف إن كان طبيعةً لها، لما حصل بينها تنافر وافتراق، فــ - الطَّبِيعَةُ لَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَتَثَنَّي.

 

وهي حال افتراقها، دالّة بالتآلف بينها على الله تعالى المؤلّف بنفس الدليل، ولذلك فإنّ الله سبحانه هُوَ المُؤَلِّفُ وَالمُفَرِّقُ.  ولقد ترنّم ثامن الحجج عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بهذه العبارات، واستشهد بهذه الآية في خطبة أنشأها في حضور المأمون.

 

يروي الشيخ الصدوق في كتابه «التوحيد» بسنده المتّصل عن محمّد بن يحيى بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: سمعتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلّم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد. قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضاً أحمد بن عبد الله العلويّ مولى لهم وخالًا لبعضهم عن القاسم بن أيّوب العلويّ أنّ المأمون لمّا أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الأمر، جمع بني هاشم فقال: إنّي أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم «2» وقالوا: أتولّي رجلًا جاهلًا ليس له بصر بتدبير الخلافة؟! فابعثْ إليه رجلًا يأتنا فنرى من جهله ما يُستدلّ به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن! اصعد المنبر وانصِبْ لنا عَلَماً نعبد الله عليه! فصعد عليه السلام المنبَر، فقعد مليّاً لا يتكلّم مُطرقاً، ثمّ انتفض انتفاضةً واستوى قائماً، وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه وأهل بيته.

 

ثمّ أورد خطبة مفصّلة جمعت أسرار التوحيد وعجائب أدلّة الحضرة الأحديّة، غدت حقّاً جوهرة متلألئة في كتاب التوحيد، وكان أوّل كلامه، قوله: أوَّلُ عِبَادَةِ اللهِ مَعْرِفَتُهُ؛ وَأصْلُ مَعْرِفَةِ اللهِ تَوْحِيدُهُ؛ وَنِظَامُ تَوْحِيدِ اللهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ. حتّى يصل إلى هذه الجملات. وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الأمُورِ عُرِفَ أنْ لَا قَرِينَ لَهُ. ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ، وَالجِلَايَةَ بِالبُهِْ ، وَالجَسْوَ بِالبَلَلِ، وَالصَّرْدَ بِالحَرُورِ. مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا، دَالَّةً بِتَفْرِيقِهَا على مُفَرِّقِهَا، وَبِتَألِيفِهَا على مُؤَلِّفِهَا؛ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ. «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» «3».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - «أصول الكافي» ج 1، ص 139.

(2) - المراد ببني هاشم هنا خصوص بني العبّاس، إذ ينقسم بنو هاشم إلى فرقتين، هما. العبّاسيّون والعلويّون. ومخالفو حكومة الإمام الرضا عليه السلام هم أقارب المأمون من بني العبّاس وليس العلويّون.

(3) - «التوحيد» للصدوق، ص 34 و 37 و 38.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد