
إن المجاز في القرآن قسمان: لغوي وعقلي. فاللغوي ما استفيد فهمه عن طريق اللغة وأهل اللسان بما يتبادر إليه الذهن العربي عند الإطلاق في نقل اللفظ من معناه الأولي إلى معنى ثانوي جديد. والعقلي ما استفيد فهمه عن طريق العقل، وسبيل الفطرة من خلال أحكام طارئة، وقضايا يحكم بها العقل لدى إسناد الجملة... والطريف أن نشاهد السكاكي (ت : 626 ه) منكرًا للمجاز العقلي تارة ومثبتًا له تارة أخرى «1».
وقد وافقه على ذلك القزويني (ت : 739 ه) وعدّه مجازًا بالإسناد، وقد أخرجه من علم البيان، وأدخله في علم المعاني، متناسيًا أن المجاز العقلي إنما يدرك بالإسناد بينما نجده معترفًا به، ومعقبًا لأقسامه وتشعباته بعد حي ، مما يعني عدم وضوحه لديه «2».
وقد تابع هذا التّأرجح صاحب الطراز فقال: «والمختار أن المجاز لا مدخل له في الأحكام العقلية، ولا وجه لتسمية المجاز بكونه عقليًّا، لأن ما هذا حاله إنما يتعلق بالأوضاع اللغوية دون الأحكام العقلية» «3».
وهذا الإخراج للمجاز العقلي لا يستند إلى قاعدة بلاغية، وتعارضه دلائل الأحوال، لأن المجاز العقلي هو طريق البلاغيين في الاستنباط، وسبيلهم إلى اكتشاف المجهول بنوع من التأول والحمل العقلي، ويتم ذلك بالاستجلاء لأحكام الجملة في التراكيب، وإن بقيت الكلمات على حقيقتها اللغوية دون تجوز. وإليه يميل الزركشي (ت : 794 ه) بعده المجاز العقلي هو الذي يتكلّم به أهل الصنعة بقوله عنه: «وهو أن تستند الكلمة إلى غير ما هي له أصالة لضرب من التأول، وهو الذي يتكلم به أهل اللسان» «4».
وقد كان عبد القاهر قد أولى هذا النوع من المجاز عناية فائقة، واعتبره كنزًا من كنوز البلاغة، وهو مادة الإبداع عند الكاتب والشاعر، وسبيل الاتساع في طرق البيان، قال: «وهذا الضرب من المجاز على جدته كنز من كنوز البلاغة، ومادة الشاعر المفلق، والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان، والاتساع في طرق البيان، وأن يجيء بالكلام مطبوعًا مصنوعًا، وأن يضعه بعيد المرام، قريبًا من الإفهام» «5».
وليس ملزمًا لأحد ما ذهب إليه بعضهم من أن المجاز العقلي من مباحث علم الكلام، وأولى أن يضم إليه، لأنه كما اتضح من تفصيلات عبد القاهر، وإشارات القزويني، يعد كنزًا من كنوز البلاغة، وذخرًا يعمد إليه الكاتب البليغ والشاعر المفلق والخطيب المصقع، وليس أدل على ذلك من أن القدماء استعملوه في كلامهم، وأن القرآن الكريم حفل بألوان شتى منه، وأن البلاغيين والنقاد أشاروا إليه وذكروا أمثلته، وإن لم يطلق عليه الاسم إلا مؤخرًا على يد عبد القاهر. وهذا كله يدلّ على أن المجاز العقلي لون من ألوان التعبير، وأسلوب من أساليب التفنن في القول، ولا يخرجه من البلاغة إفساد المتأخرين له، وإدخال مباحث المتكلمين فيه عند تعرضهم للفاعل الحقيقي «6».
وقد كان سعد الدين التفتازاني (ت : 791 ه) موضوعيًّا حينما ردّ القزويني لإدخاله المجاز العقلي في مباحث علم المعاني فقال: «لأن علم المعاني إنما يبحث عن الأحوال المذكورة من حيث أنها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال. وظاهر أن البحث في الحقيقة والمجاز العقليين ليس من هذه الحيثية فلا يكون داخلاً في علم المعاني. وإلا فالحقيقة والمجاز اللغويان أًيضا من أحوال المسند إليه أو المسند» «7».
وأما المجاز اللغوي فلا يختلف اثنان بأنه الأصل الموضوعي للمجاز، ولما كان المجاز اللغوي ذا فرعين في التقسيم البلاغي، لأن مجاله رحاب اللغة في مرونة الاستعمال، وصلاحيتها في الانتقال من معنى مع وجود القرينة الدالة على المعنى الجديد لوجود المناسبة بينه وبينها، وتوافر الصلة بين المعنى الأولي والمعنى الثانوي، فإن كانت العلاقة المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فهو الاستعارة. ولا حديث لنا معها إلا لمامًا لأن التفريق الدقيق يقتضي رصدها بمفردها، لأنه حقيقة قائمة بذاتها، فهي استعارة وكفى، وإن لم تكن العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي المشابهة، فهو المجاز المرسل، والحديث عن المجاز اللغوي حديث عنه، والحديث عن المجاز القرآني مقتصرٌ عليه وعلى المجاز العقلي. لأننا قد وجدنا القرآن بحق قد استوعب نوعي المجاز العقلي واللغوي لدى التنظير، أو عندما تستخرج جواهرها من بحره المحيط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): السكاكي، مفتاح العلوم: 194 - 198.
(2): القزويني، الإيضاح: 97 وما بعدها.
(3) العلوي، الطراز: 1 / 25.
(4) الزركشي، البرهان: 2 / 256.
(5) عبد القاهر، دلائل الإعجاز: 295 تحقيق: محمود محمد شاكر.
(6) أحمد مطلوب، فنون بلاغية: 109.
(7) التفتازاني، المطول: 54.
معنى (خشع) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (1)
الشيخ محمد صنقور
القلب يفكر مع العقل
عدنان الحاجي
مناجاة الذاكرين (3): آنسنا بالذّكر الخفيّ
الشيخ محمد مصباح يزدي
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
الفيض الكاشاني
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (3)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
ضحكات المطر
حبيب المعاتيق
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
فريق بحث ينشر اكتشافًا رائدًا لتخليق الميثان
معنى (خشع) في القرآن الكريم
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (1)
التواصل الاجتماعي في حياتنا المعاصرة
القلب يفكر مع العقل
مناجاة الذاكرين (3): آنسنا بالذّكر الخفيّ
اختتام النّسخة الخامسة والعشرين من حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها) بسيهات
كتاب جديد يوثّق تكريم الدّكتور علي الدّرورة في القطيف
العزة والذلة في القرآن الكريم
معنى (عيّ) في القرآن الكريم