الكتاب: المناقب (فضائل أمير المؤمنين عليه السلام)
المؤلّف: الموفَّق بن أحمد الخوارزميّ الحنفيّ (ت: 568 للهجرة)
المحقّق: الشيخ مالك المحموديّ (مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام)
التقديم: الشيخ جعفر سبحاني
الناشر: «مؤسّسة النشر الإسلاميّ»، قمّ المقدّسة 1421 هـ
كتاب (مناقب أمير المؤمنين) المعروف بــ (مناقب الخوارزمي)، يُعدّ من المصادر العريقة المعتبرة عند السنّة والشّيعة في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فقد نقل عنه علماء الخاصّة والعامّة، وأكثروا مِن تخريج أحاديثه في كتبهم: كالعلاّمة الحلّي، والسّيّد ابن طاوس، وابن شهر آشوب، والإربلّي، وابن الوزير اليماني، وابن حجر العسقلاني، والكنجيّ الشافعي، وابن الصبّاغ المالكي، وغيرهم.
قال العلامة الأميني في (الغدير) مترجـمًا للمؤلّف: "الحافظ أبو المؤيّد وأبو محمّد، موفّق بن أحمد... المكّي الحَنَفِي، المعروف بأَخطب خوارزم. كان فقيهَا غزيرَ العلم، حافظًا طائلَ الشُّهرة، محدِّثًا كثيرَ الطُّرُق، خطيبًا طائرَ الصّيت، متمكِّنًا في العربية، خبيرًا على السّيرة والتاريخ، أديبًا شاعرًا له خُطَب وشِعر مدوَّن".
كتب سماحة الشيخ جعفر السبحاني مقدّمة للكتاب تجاوزت العشرين صفحة، ابتدأها بعنوان: "عليٌّ إمام المتّقين في الكتاب والسُّنّة"، ثمّ تعرّض إلى مواضيع تاريخيّة عقائديّة من حياة الأمّة الإسلاميّة، وإلى فضائل الإمام عليّ عليه السلام ومناقبه في كتب الحديث، قال فيها: "وقد أحسّ بعض المحدّثين بمسؤوليّته الدينيّة أمام الله سبحانه وأمام أُمّته، فقام بنشر فضائل الإمام عليّ عليه السلام وإنْ بلغ الأمر ما بلغ، وإن انجرّ إلى قتله.. هذا والتاريخ يوافقنا على لفيف من المحدّثين في هذا السبيل، نذكر منهم:
الحافظ النَّسائي (ت: 303 للهجرة)، الذي غادر مصر في آخر عمره نازلاً مدينة دمشق، فوجد الكثير من أهلها منحرفين عن الإمام عليّ عليه السلام، فأخذ بنشر فضائله ومناقبه، وألقى محاضرات متواصلة في فضائل الوصيّ، وبعد أن فرغ من تأليف كتابه ونشره، سُئل عن فضائل معاوية، فأجاب: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتّى يَفضُل؟! وفي رواية قال: لا أعرف له فضيلة إلاّ (قول رسول الله صلّى الله عليه وآله فيه): لا أشبَعَ اللهُ بطنَه.(فهجموا عليه يضربونه حتّى أخرجوه من المسجد، فقال: احملوني إلى مكّة، فحُمل إليها وتُوفّي بها بسبب ذلك الدَّوس).
والحافظ الكنجي الشافعي، الذي قُتل سنة 658 للهجرة، لنشره فضائل أمير المؤمنين في كتابه (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب)، وتأليفه كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان)، فلمّا نشرهما قُتل في مسجده.
ثمّ كتب السّبحاني صفحات في حياة الفقيه والمحدّث الخوارزمي (الحنفيّ المذهب)، مُعرِّفًا به في جوانب عديدة من حياته الشخصيّة والعلميّة، حتّى وقف على تآليفه ليذكر منها: (ردّ الشمس لأمير المؤمنين)، و(الأربعون في مناقب النبيّ الأمين ووصيّه أمير المؤمنين)، و(قضايا أمير المؤمنين)، و(مقتل أمير المؤمنين)، و(مقتل الحسين الإمام السبط الشهيد)، وفضائل أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام - (المناقب) - وهو هذا الكتاب موضوع القراءة.
كتابُ المناقب
يضم كتاب (المناقب) للخوارزمي – المعروف بأَخطَب خوارزم - سبعة وعشرين فصلاً في فضائل أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بروايات مسنَدَة تصل إلى 416 رواية. طُبع لأوّل مرّة طبعةً حجريّة في تبريز - بإيران - سنة 1313 للهجرة، وطبعة حروفية في النجف الأشرف بتقديم السيّد محمّد رضا الموسويّ الخرسان.
وقد قال الخوارزميّ الحنفيّ في مستهلّه:
"ذِكرُ فضائل أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بل ذِكرُ شيء منها، إذ ذكرُ جميعها يَقصُر عنه باعُ الإحصاء، بل ذكر أكثرها يضيق عنه نطاقُ طاقة الاستقصاء، يُدُلّك على صدق ما ذكرتُ".
ومن هنا يبدأ كتاب (المناقب) لأخطب خطباء خوارزم أبي المؤيّد موفّق بن أحمد المكيّ البكريّ الخوارزميّ، فيأتي بالرواية الأولى بسنده الذي يبتدئه هكذا:
"أخبرني به السيّد الإمام الأوّل المرتضى، شرف الدين، عزّ الإسلام، علم الهدى، نقيب نقباء الشرق والغرب، أبو الفضل محمّد بن عليّ بن محمّد بن المطهَّر بن المرتضى الحسينيّ، في كتابه إليّ من مدينة الريّ - جزاه الله عنّي خيراً – قال: ...(حتّى ينتهي السند عبر إخبارات وإنباءات أربعة عشر ليقول): "عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لَو أنَّ الغِياضَ أقلامٌ، والبحرَ مِدادٌ، والجِنَّ حُسَّابٌ، والإنسَ كُتّابٌ، ما أحصَوا فضائلَ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ".
ثمّ يأتي الخوارزميّ بعد ذلك بخبرَينِ آخَرين، ليكون الخبر الرابع مُسندًا بسندٍ طويل أيضًاً، ختامه: "قال محمّد بن منصور الطوسيّ: سمعتُ أحمدَ بن حنبل يقول: ما جاء لأحد مِن أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه [وآله] وسلّم من الفضائل ما جاء لعليِّ بنِ أبي طالب"."تفسير الثعلبي ص 74 من المخطوط؛ ورواه الحاكم الحسكانيّ الحنفيّ في شواهد التنزيل: 1/18؛ والحاكم النيسابوريّ الشافعيّ في المستدرك على الصحيحين: 3/107؛ وابن عساكر الشافعيّ في تاريخ مدينة دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 3/83، ح 1117".
ثمّ كتب الخوارزمي في ختام مقدّمة كتابه معرّفًا بمحتوياته: «وفضائلُه تشتمل على سبعةٍ وعشرين فصلاً..»، فأخذ يعدّدها، وكان منها:
ما جاء في إسلامه وسَبقهِ إليه..
في بيان أنّه من أهل البيت.
في بيان محبّة الرسول صلّى الله عليه وآله إيّاه، وتحريضه على محبّته ومُوالاته، ونهيهِ عن بُغضه.
في بيان غزارة علمه وأنّه أقضى الأصحاب.
في بيان أنّ الحقّ معه وأنّه مع الحقّ.
في بيان أنّه أفضل الأصحاب.
في بيان اقتحامه المهالك في حبّ الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، وشراء نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى.
في بيان أنّه أقرب الناس من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنّه مَولى كلّ مَن كان رسول الله صلّى الله عليه وآله مولاه.
في بيان أنّه الأُذُن الواعية.
في بيان تزويج رسول الله صلّى الله عليه وآله إيّاه فاطمة عليها السلام.
في بيان أنّه حاملُ لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة.
في بيان أنّ النظر إليه وذِكرَه عبادة.
في بيان ما نَزَل من الآيات في شأنه.
في بيان مَن غيّر اللهُ خَلقَهم وأهلكهم بسبِّهم إيّاه.
ومواضيع شتّى في خصائصه صلوات الله عليه، وفي حروبه وجهاده في سبيل حفظ الدين.
هكذا خَتَمه
كان آخر أسطر كتبها الخوارزمي في مؤلَّفه المفيد هذا هو قوله: "وذكر أصحابُ التواريخ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قُبِض عن تسعةٍ وعشرين ولداً لصُلبه: أربعةَ عشر ذكرًا وخمسَ عشرة أنثى، خمسةٌ منهم لفاطمة بنت رسول الله: الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى وأمّ كلثوم الكبرى، وسائرهم مِن أمّهاتٍ شتّى رضي الله عنهم أجمعين".
ثمّ كانت كلمة (النظم) لتأتي بعدها ثلاث قصائد للمؤلّف الخوارزميّ:
الأولى: بائيّته التي استغرقت (38) بيتًا، يقول فيها:
هل أبصَرَتْ عَيْناكَ في المِحْرابِ
كَأبي تُرابٍ مِنْ فَتًى مِحْرابِ؟!
لله دَرُّ أبي تُرابٍ إنّهُ
أسَدُ الحروبُ وزينةُ المِحرابِ
إنّ النَّبيَّ مدينةٌ لِعلومِهِ
وعليٌّ الهادي لها كالبابِ
وطهارةُ الهادي عليٍّ أشعَرَتْ
بطهارةِ الأرْحامِ والأَصْلابِ
فَتَح الـمُبَشِّرُ بابَ مَسجدهِ لَهُ
إذ سَدَّ فيه سائرَ الأبوابِ
يا عاتِبي بهوى عليٍّ، زِدْتُهُ
صِدْقًا هوايَ، فَزِدْ بكمتِ عتابِ
أرْهَبْتَني بلوائمٍ لَفّقْتَها
لَمّا عَلِمْتَ بشأنِهِ إعْجابي
وَلَقَدْ أتى هذا الفَتى ما قَد أَتى
في «هل أتى»، فإلى متى إرْهابي؟!
إنْ كان أسبابُ السَّعادةِ جَمّةً
فهَوى عَليٍّ آكَدُ الأَسْبابِ
وكَسَوتُ أعْقابي بنظمي مِدْحةً
حُلَلاً تَجدُّ على بِلى الأحْقابِ
حَسَناه، وهوَ وفاطمٌ أهواهمُ
حقًّا وأُوصي بالهوى أعْقابي
الثانية: بائيّة أيضاً، يقول فيها وقد بلغت (46) بيتًا:
ألا هل مِن فتىً كأبي تُرابِ
وأنّى مِثلُه فوقَ التُّرابِ!
إذا ما مُقْلَتي رَمَدَت فكُحلي
تُرابٌ مَسَّ نَعْلَ أبي تُرابِ
عليٌّ ما عليٌّ ما عليٌّ؟!
فتى يومِ الكتيبةِ والكتابِ
كأنّ الناسَ كلَّهمُ قُشورٌ
وَمَولانا عليٌّ كاللُّبابِ
ولايتُه بلا رَيبٍ كطَوقٍ
على رغم الـمَعاطِسِ في الرِّقابِ
إذا عُمَرٌ تَخبَّطَ في جوابٍ
ونَبّهَه عليٌّ للصَّوابِ
يقولُ بَعدَه: لَوْلا عليٌّ
هَلَكْتُ هَلَكْتُ في دَرْكِ الجوابِ!
فَفاطِمَةٌ ومولانا عليٌّ
ونَجْلاهُ سُروري في اكتئابي
ومَن يَكُ دأبُهُ تشييدَ بيتٍ
فها أنَا حُبُّ أهل البيت دأبي
لقد قَتَلوا عليًّا إذ تخلّى
لسبحتهِ، فهَلاّ في الضِّراب!
وأمّا القصيدة الثالثة: للمؤلّف الخوارزميّ في مدحه لأمير المؤمنين عليه السلام، فقد بلغت (27) بيتًا فاخَرَ فيها بالإمام عليٍّ عليه السلام على الأصحاب جميعًا، بل على الناس أجمعين، فقال:
لقد تَجمّعَ في الهادي أبي الحَسَنِ
ما قد تَفرّقَ في الأصْحابِ مِن حَسَنِ
ولم يكنْ في جميعِ الناسِ مِن حَسَنٍ
ما كان في الضَّيغَمِ الهادي أبي الحسَنِ
هلْ أودَعَ اللهُ إيّاهُم وإن فَضُلوا
ما أوْدَعَ اللهُ إيّاه مِن الزَّكَنِ؟!
هل فيهمُ مَن له زَوْجٌ كفاطمةٍ؟!
قل: لا، وإن ماتَ غيظًا كُلُّ ذي إحَنِ
هل فيهمُ مَن له في وُلْدهِ وَلَدٌ
مِثلُ الحُسينِ شَهيدِ الطفِّ، والحَسنِ؟!
هل فيهمُ مَن تَولّى يومَ خَنْدقِهم
قتالَ عَمْروٍ وعَمروٌ خَرَّ للذقنِ؟!
هل فيهمُ يومَ بدرٍ مَن كفى قُدُمًا
قَتلَ الوليدِ الهِزَبْرِ الباسِلِ الحزنِ؟!
هل فيهمُ مَن رمى في حينِ سَطوَتِهِ
ببابِ خيبرَ لم يَضعُفْ ولم يَهُنِ؟!
هل فيهمُ مُشْترٍ بالنفسِ جَنّتَهُ؟!
أكرِمْ بِمثْمنِهِ الغالي وبالثَّمَنِ
هل فيهمُ غيرُه مَن حاز مجتهدًا
عِلمَ الفرائضِ والآداب والسُّننِ؟!
هل سابقٌ مِثلُه في السابقين لهُ
فضلُ السباقِ وما صلّى إلى الوَثَنِ؟!
وهل أتى «هل أتى» إلاّ إلى أسَدٍ
فتى الكتائبِ طَودِ الحِلمِ في الـمِحَنِ؟!
الناسُ في سَفْحِ عِلمِ الشرع كلِّهِمُ
لكنْ عليٌّ أبو السِّبطَينِ في القُننِ
يا أَحْبَسَ الناسِ والهيجاءُ لاقحةٌ
يا أَسْمَحَ النّاسِ بالدُّنيا بِلا مِنَنِ
تَبًّا لباغيةٍ شامُوا قواضبَهم
لنصرِهم آلَ حربٍ مصدرِ الفِتنِ
قد فضّلُوا نجلَ حَربٍ مِن ضَلالتِهم
على إمامِ الهدى الراضي الرضا الفَطِنِ
يرجونَ جَنّتَهم، هيْهاتَ قَدْ طَلَبوا
ماءَ الرَّكايا بلا دَلْوٍ ولا رَسَنِ!
وهم يُلاقونه في قعْرِ نارِهِمُ
معَ الشَّياطينِ مَقرُونونَ في قَرَنِ.
وهكذا يُنهي «الموفَّق» كتابه الذي ترك له ذكرًا طيّبًا، وأكسبه شهرة عظيمة بين المحدّثين وأهل الولاء على الإطلاق؛ فرواه عدّة من الأعلام عن المؤلّف بلا واسطة، كما نقله عنه عدّة أخرى مع الواسطة مثل مفتي الحرمين في (كفاية الطالب)، وقد ذكر العلامة الأميني في (الغدير) أسماء شطرٍ منهم.
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان