إيمان شمس الدين
مع التطور التكنولوجي، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي وتحولها لمنصات رأي حر فردية أو مؤسساتية، ظهرت مجددًا تساؤلات حول المعرفة وقيمتها ومعياريتها، وضوابطها، وكيفية تحديد صدقها من عدمه، حيث باتت المعلومات متوافرة وكثيرة، وأتيحت الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم، دون وجود ضابط محدد يشخص مدى أهلية الفرد ومكنته العلمية والمنهجية في التصدي والتعبير عن الرأي وتقديم المعارف.
وظهر تحدٍّ جديد على السطح طرح كثيرًا من الشبهات، وأثار كثيرًا من التشكيكات، وطرح كثيرًا من التساؤلات، وأثار كثيرًا من رياح الفتن العابرة للجغرافيا، وهو ما يجب الوقوف عند هذه الظواهر الجديدة، كحاجة ملحة تتجدد عبر التاريخ وتطرح تساؤلاتها المعهودة حول المعرفة ومصدرها وقيمتها ومعيارها وضوابطها، لإعادة تنظيم المعطيات المعرفية الواردة إلى الذهن والتي تشكل بنية الفكر، وهو بدوره يبني منظومة الاعتقادات ويوجه السلوك البشري. فالمعرفة إذًا لها مدخلية محورية في تنظيم السلوك الإنساني وبناء رؤيته الكونية وشبكة علاقاته على أسس سليمة غير عبثية ولا فوضوية.
المعرفة :
لعملية اكتساب المعرفة جهتان: العلم والمعلوم، والبحث عن العلم والمعرفة هو من فروع العلم الذي موضوعه العلم نفسه، وهو المعبر عنه بعلم المعرفة.
وغاية علم المعرفة هو البحث حول المعارف الإنسانية الصحيحة التي يمكن الاعتماد عليها وطرح الحقائق في ضوئها.
ونظرية المعرفة هي: العلم الباحث حول معارف الإنسان وأنواعها، وتحديد صحتها وسقمها بيان المعيار في ذلك (1)
إن المعرفة كنظرية نشأت وتطورت نتيجة الجدليات الفكرية والفلسفية حول المعرفة وحدودها وإمكانيتها ومدى يقينيتها من عدمه، وكان تطورها تدريجيًّا مع تطور الفكر والعقل البشري، ولعل أول كتاب في نظرية المعرفة في الغرب كان هو "بحث حول فهم الإنسان"؛ للفيلسوف جان لوك (١٦٢٣ ـ ١٧٠٤) التجريبي البريطاني الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي.
وقد اشتد ظهور الاهتمام بنظرية المعرفة في الغرب كنتيجة التحولات الفلسفية التي وقعت بعد عصر النهضة، أي منذ ثلاثة قرون تقريبًا، فظهرت كنظرية وكفرع من فروع العلوم.
أما على الصعيد الإسلامي فكان أول من بادر إلى تنظيم مباحث في نظرية المعرفة هو العلامة محمد حسين الطباطبائي رحمه الله في كتابه "أصول الفلسفة والمذهب الواقعي" كخطوة أولى في تخصيص مباحث ذات طابع مستقل لنظرية المعرفة.
فنظرية المعرفة تكمن أهيمتها في كونها تتناول كعلم معارف الإنسان، وتبين أقسامها، وتميز بين صحيحها وغيره، وتطرح معايير تشخص صحة هذه المعارف من عدمه، أي تشخص قيمة المعارف، لأهيمتها في الإيمان والسلوك وبناء العلاقات. وتعتبر نظرية المعرفة من المعارف من الدرجة الثانية بمعنى؛ أن كليهما يبحثان عن معارفنا وأحكامها وقوانينها(2) . لأن موضوع المعرفة هنا هو المعرفة ذاتها.
وتنقسم المعرفة إلى:
١. معرفة مطلقة تبحث في مطلق المعرفة الإنسانية.
٢. معرفة مقيدة تتناول المعارف الإنسانية في نطاق خاص.
وتعتبر نظرية المعرفة مقدمة في الترتيب المنهجي على المنطق، لأنها معنية بتحديد وتشخيص قيمة المعلومات، ومن ثم يستفيد المنطق من هذه المعلومات اليقينية والصحيحة بعد تشخيصها من قبل نظرية المعرفة لتنظيمها في إطار عملية التفكير. فنظرية المعرفة تشخيصية تحدد مدى صلاحية المعلومات من عدمه، قبل أن يستخدمها المنطق في الانتقال بها من المجهول إلي المعلوم لتشكيل بنية فكرية متكاملة منهجية.
فالعلم في اللغة العربية يطلق على معنى واسع يشمل جميع أقسام المعرفة مضافًا إليها الفنون والمهارات المختلفة، أما العلم في موضوع نظرية المعرفة فمن معانيه الاصطلاحية :
١.مطلق الفهم والوعي؛
٢.العلم الحصولي؛
٣.التصديق؛
٤.التصديق الجزمي؛
٥.الجزم المطابق للواقع؛
٦.الجزم المطابق للواقع مع استحالة الزوال؛
٧.التصورات الكلية؛
٨.القضية التركيبية؛
٩.مجموع القضايا المتناسبة؛
١٠.مجموع القضايا الكلية المتناسبة؛
١١.العلوم الحقيقية؛
١٢.العلوم التجريبية.
نظرية المعرفة بين المفكرين الإسلاميين والغربيين:
هناك تفسيران لموضوع المعرفة في نظرية المعرفة، تفسير للمفكرين الإسلاميين، وآخر للغربيين.
وقد ذهب المفكرون والفلاسفة المسلمون إلى أن المراد من العلم أو المعرفة في موضوع نظرية المعرفة، هو مطلق العلم والفهم الشامل لكل أقسام العلم من الحضوري والحصولي وأنواع كل واحد منهما، والغاية من البحث هنا هو معرفة القيمة المعرفية لأقسام العلم والمعرفة. وقد عرفها الدكتور أيمن المصري بأنها: "مطلق حصول المعلوم لدى العالم، أعم من كونه حصوليًّا أو حضوريًّا، كليًّا أو جزئيًّا، بديهيًّا أو كسبيًّا، نظريًّا أو عمليًّا" (3)
أما الفلاسفة والمفكرون الغربيون، اعتقدوا أن العلم عبارة عن الاعتقاد الصادق المبرهن الشامل لبعض أقسام العلم الحصولي المتوافر على ثلاثة عناصر هي:
الاعتقاد (=التصديق المنطقي الجازم) والصادق (=المطابق للواقع) والمبرر أو السبب (= الدليل).
ويلاحظ هنا الفرق بين كلا التفسيرين، فالأول شامل وعام لا يستثني حتى الظن مع تراكم احتمالات صحته، والثاني ضيق دائرة العلم والمعرفة وحددها بمحددات أخرجت العلم الحضوري، والتصورات والتصديقات غير الجزمية (الظن والاطمئنان) عن دائرة المعرفة بخلاف التصديقات الجزمية؛ إذ تندرج أيضًا في نطاق المعرفة، كالجهل المركب والتقليد واليقين بالمعنى الأخص (4).
ـــــــ
المدخل إلى نظرية المعرفية /دروس تمهيدية/ الشيخ غلام رضا الفياضي / تعريب أيوب الفاضلي/ مركز السراج للتأليف والتحقيق/ ط ٢٠١٣م ـ ١٤٣٤ هـ/ ط١ ـ ص ٢٠ ـ ٢١
2 المصدر السابق ص ٣٥
3 أصول المعرفة والمنهج العقلي ص ٢٩
4ص ٦١-٦٢المدخل إلى نظرية المعرفية /دروس تمهيدية/ الشيخ غلام رضا الفياضي / تعريب أيوب الفاضلي/ مركز السراج للتأليف والتحقيق/ ط ٢٠١٣م ـ ١٤٣٤ هـ/ ط١
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان