علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، عضو مجلس خبراء القيادةrn مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي

الصفات السلبية والثبوتيّة (1)

بعد أن تمّ إثبات وجود واجب الوجود، إلا أنّ ذلك لا يكفي لإثبات صفات الواجب، وبالتّالي فإنّ ذلك يحتاج إلى أدلّة أخرى، يعتمد بعضها على إدراك حقيقة معنى الواجب، كما سيتّضح لاحقاً.

 

تقسيم الصّفات الإلهيّة

تنقسم الصّفات الإلهيّة إلى ثبوتيّة وسلبيّة، والثّبوتيّة تنقسم أيضاً إلى ذاتيّة وفعليّة.

 

الصّفات السّلبيّة

الصّفات السّلبيّة: وهي الصّفات الّتي يجب تنزيه الذّات الإلهيّة عن الاتّصاف بها. وذلك، لأنّه إمّا أن تكون الصّفة في حقيقتها وواقعها نقصاً وحاجةً، بحيث لا يمكن أن يتصوّر فيها كمال مطلق كالجسميّة مثلاً.

وإمّا أن تكون الصّفة بحدّ ذاتها كمالاً، إلّا أنّه قد شابها نوع نقص، نتيجة ارتباطها وتعلّقها بالممكنات، لكنّ العقل قادر على إدراك كمالها المطلق بعد إزالة النّقص العارض عليها، مثل: العلم والقدرة المتّصف بهما الإنسان أيضاً، فإنّه لا يمكن وصفه – تعالى - بهما إلا بعد تجريدهما من الخصائص المقترنة بالموجود الإمكاني، كالمحدوديّة، وحاجتهما للمحلّ...، مع أنّهما في اللَّه - تعالى - عين ذاته المتعالية كما سيأتي.

 

الدّليل على التّنزيه

بعد إثبات واجب الوجود فإنّنا نستطيع أن نستنتج أمرين:

أوّلاً: أنّه غير محتاج في وجوده لأيّ موجود آخر، لأنّ فرض حاجته إلى الغير تعني أنّه ممكن الوجود، وهو خلاف فرض كونه واجب الوجود.

ثانياً: أنّه علّة جميع الموجودات الممكنة الوجود، فكلّها معلولة ومحتاجة إليه.

ولكلٍّ من هاتين الصّفتين لوازم يثبت من خلالها نفي الصّفات السّلبيّة بتمامها، بل يمكن إثبات بعض الصّفات الثّبوتيّة. وإنّ المتأمّل في معنى واجب الوجود يُدرك بشكل واضح أنّ كلّ موجود سبقه العدم أو يلحقه العدم يستحيل أن يكون وجوده ذاتيّاً، لأنّ العدم السّابق أو اللّاحق يعني الحاجة إلى الغير في وجوده، وبالتّالي يعني أنّه غير واجب بل هو ممكن محتاج لعلّة هي غيره، وبذلك يثبت أنّ اللَّه -سبحانه- أزليّ أبديّ، أي: سرمديّ، ويثبت أنّ كلّ موجود سبقه العدم أو يلحقه العدم لا يكون واجباً.

 

ليس مركّباً من أجزاء

أوّلاً: من لوازم واجب الوجود البساطة، أي عدم التّركيب من أجزاء، إذ كلّ مركّب محتاج ومفتقر إلى أجزائه، لأنّ التركيب مطلقاً يتنافى مع مفهوم واجب الوجود، المنزّه عن الحاجة مطلقاً.

ثانياً: فرض التركيب يعني قابليّة المركّب للزّوال والانعدام، لأنّ المركَّب قابل للانقسام ولو عقلاً وإن لم ينقسم في الخارج فعلاً، وإمكان الانقسام يعني إمكان زوال الكلّ وانعدامه. وقد تمّ إثبات عدم قابليّة الواجب للزّوال والانعدام.

 

ليس جسماً

بعد أن أثبتنا عدم التّركيب يثبت أنّ الله تعالى- ليس جسماً، بل هو موجود مجرّد، وإذ ثبت استحالة كونه  -تعالى- جسماً، تثبت استحالة كلّ ما يتوقّف تحقّقه على الجسميّة ويُلازمها، مثل كونه قابلاً للرّؤية والحاجة إلى المكان، والخضوع للزّمان، والحركة والتّحوّل، فإنّ جميع هذه المسائل من خصائص الجسم والجسمانيّات، وقد ثبت أنّه تعالى ليس بجسم.

 

العلّة

تعريف العلّة

عُرّفت العلّة في الاصطلاح بأنّها ".. كلّ ذات يلزم منه أن يكون وجود ذات أخرى إنّما هو بالفعل من وجود هذا بالفعل، ووجود هذا بالفعل من وجود ذلك بالفعل"(1).

وعرّفها الشيخ الطوسي: "كلّ شيء يصدر عنه أمر إما بالاستقلال أو بالانضمام فإنّه علّة لذلك الأمر، والأمر معلول له"(2).

ويمكن القول بأنّ: العلّة هي ما يؤثّر في الشيء في الوجود، والمعلول ما يتأثّر منه في الوجود.

وتنقسم العلّة إلى تقسيمات عديدة، منها انقسامها إلى:

1. علّة حقيقيّة أو موجِدة: تلك التي يُعدّ وجودها ضروريّاً دائماً لوجود المعلول تُسمّى ب‍ "العلل الحقيقية".

2. علّة معدَّة: هي تلك العلّة التي لا يجب بقاؤها لبقاء المعلول "أمثال المزارع بالنسبة إلى النبات" وتُسمّى ب‍ "العلل المعدَّة" أو "المعدَّات".

 

العلّة الموجِدة

يُطلق على واجب الوجود، مصطلح "العلّة الموجِدة"، بمعنى أنّه تعالى هو الموجِد للموجودات، والفاعل الحقيقي والمستقلّ لها، وغير المحتاج في إيجاده لها لأيّ شيء آخر -كما مرّ-، ويستحيل وجود علّة فاعليّة كفاعليّة الله تعالى-، إذ كلّ فاعل سواه يحتاج في فاعليّته إلى اللَّه تعالى-.

ميّزات العلّة الموجِدة

وهي ميّزات يمكن استخراجها من الخصائص المذكورة لواجب الوجود (العلّة الموجِدة):

1. تمتاز العلّة الموجِدة بأنّها توجِد معلولها وتخلقه من العدم، من دون أن ينقص من وجودها شيء، وإلّا لزم الانقسام والتغيير في الذّات الإلهية، وقد ثبت بطلانه.

ويمكن تقريب هذه الميزة من خلال هذا المثال، وهو أنّ المعلّم يُقدِّم من علمه لتلامذته دون أنّ ينقص من علمه شيء، وأقرب تعبير هو أنّ عالم الوجود نور وتجلٍّ من تجليات الذّات الإلهيّة المقدّسة ﴿ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾(3)، وهذا بخلاف الفاعل المادّي والطّبيعي الّذي لا يوجِد معلوله من العدم، بل يوجده من مادّة قبليّة فيطرأ عليه تبدّل في الصورة، وتغيير في الهيئة، ولكن مادّته الأولى والقبليّة كانت موجودة، ولذا لا يُطلق على الفاعل المادّي والطبيعي المبدِع.

2. يجب أن تشتمل العلّة الموجِدة على جميع كمالات معلولها بصورة أتمّ وأكمل، لأنّها هي الّتي تُفيض الوجود والكمال عليه، وهذا بخلاف العلل المعدّة المادّيّة، فإنّه لا يلزم اشتمالها على كمالات معلولها، لأنّها لا تُعطيه الوجود، بل تُقرّبه وتُعدّه لتفيض العلّة الموجِدة الوجود عليه.

3. أنّ العلّة الموجِدة يحتاج إليها معلولها في أصل وجوده وفي بقائه واستمراره، خلافاً للعلّة المعدَّة الّتي يحتاج إليها معلولها في أصل وجوده فقط، وأمّا في بقائه واستمراره فلا تحتاج إليه، فهي في الحقيقة مهيِّئة ومعدَّة لفيض الوجود من العلّة لا غير. وعليه فعالم الوجود محتاج ومفتقر إلى اللَّه تعالى- دائماً وفي كلّ شؤون وجوده وحالاته، وإذا امتنع الخالق عن فيض الوجود عليه، فهذا يعني انعدام الوجود، وأمّا في العلل المعدَّة، كالبنَّاء الّذي يبني منزلاً، فقد يموت البنَّاء إلّا أنّ المنزل يبقى على حاله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الحدود للشيخ الرئيس، ص117.

(2) العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: آية الله حسن زاده الآملي، مؤسسة نشر الإسلامي، إيران -قم، 1417هـ، ط7، ص168.

(3) سورة النور، الآية 35.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد