
لا يخلو تحديد معرفي لمعنى الحداثة من حكم أخلاقي، بل سيفضي التحديد إلى ما يتعدى مثل هذا الحكم، ليجعل الحداثة مفهوماً مقيماً في ذمة الأيديولوجيا.
في كتابه "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة" الذي أصدره عام 1968، يؤكد المفكر الأميركي صامويل هانتنغتون على الطبيعة المشوشة للحداثة، ويلاحظ أن الحركة الاجتماعية تقتضي تغييرات في طموحات الأفراد والجماعات والمجتمعات، في حين تقتضي التنمية الاقتصادية تغييرات في قدراتهم، بينما تتطلب الحداثة كلتيهما.
ويقرر أن النظام السياسي الحديث لا يتطلب درجة عالية من المشاركة السياسية فقط، بل يتطلب أيضاً مستوى عالياً من "المأسسة" السياسية وتنظيم السياسة.
ويدرك هانتنغتون هذا كحصيلة لعملية التحديث السياسي التي تتجاوز الأحزاب والانتخابات والقادة بدرجة عالية، ولأن ثبات السياسة في نظام سياسي آخذ بالتحديث، هو فقط النتيجة النهائية لعملية تغيير متعددة الوجوه، تتضمن الحضرنة والتعليم وطبقة وسطى متنامية، وتنمية اقتصادية.
غير أن التناقض في الحداثة السياسية يكمن في أنه رغم كون النتيجة نظاماً سياسياً ثابتاً يسمح بالمشاركة العامة، فإن الوصول إلى هذه النقطة يعني أن على المجتمع أن يمر في العملية من خلال أطوار عنيفة ومضطربة للغاية.
إذا كان الرجل قد قرّر في تنظيراته المبكرة، الصيرورة لحركة الحداثة، فإن التنظيرات التي سبقت لمفكرين حداثيين آخرين جاءت هي الأخرى لتؤكد الطابع الاضطرابي لمسار الحداثة، ثم لتضيف إلى ذلك طابع التصنيف، الذي سيؤول منطقياً إلى صدور أحكام أخلاقية وأيديولوجية تبعاً لذلك.
ففي الخمسينات والستينات بدا أن مفاهيم الحداثة الكبرى، كالديمقراطية، والأوليغارشية، والليبرالية، والاشتراكية، والشيوعية، والرأسمالية، والقومية، والعالمية، راحت تتهيأ لتأخذ بعداً رمزياً في تحليلات علماء السياسة. ولكن في نهاية الستينات ومقابل كل نقاش بين علماء السياسة استخدم فيه التصنيفان "دستوري" و"شمولي"، كانت هناك نقاشات أخرى استخدم فيها التصنيفان "حديث" و"تقليدي".
حين أخذت التصنيفات مداها في مسار الحداثة المتأخرة، برزت خطوط التوظيف بوضوح، وعلى سجية هذه الخطوط صدرت الأحكام السياسية والثقافية والأيديولوجية، على التحيُّزات الناجمة عن تقسيم نظام العلاقات بين المجتمعات العالمية.
لقد أصبح الفرق الأساسي بين المجتمع الحديث والمجتمع التقليدي، كامناً في السيطرة الكبيرة التي مارسها الإنسان الحديث على بيئته الطبيعية والاجتماعية، وترتكز هذه السيطرة بدورها على توسع المعرفة العلمية والتكنولوجية.
الذين اشتغلوا على الحداثة وأفكارها، منهم من انصرف إلى وضع مميزات لعملية التحديث الكبرى، التي يصفونها بأنها الجسر الذي يربط المجتمعات الحديثة بالمجتمعات التقليدية، وقد أدرجوا لهذه الغاية تسع مزايا على الترتيب التالي:
الميزة الأولى: تقول إن الحداثة عملية ثورية، تتطلب تغييراً كلياً وجذرياً في أنماط الحياة البشرية.
الثانية: ترى أن الحداثة عملية معقدة، لا يمكن تقليصها إلى عامل منفرد أو إلى بعدٍ منفرد، وتتطلب تغييرات عملية في كل مناطق فكر وسلوك الإنسان.
الثالثة: أن الحداثة عملية منهجية، توضح لماذا تفهم على أنها كلّ متماسك بين الناس الذين يعيشون وفق أحكامها.
الرابعة: الحداثة عولمية، فقد نشأت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوروبا، ولكنها أصبحت الآن ظاهرة على مستوى العالم.
الخامسة: الحداثة عملية تطورية تنموية مطوّلة، يمكن أن تتحقق من خلال الوقت فقط.
السادسة: الحداثة عملية متدرجة على مراحل، ويمكن أن يحلّل التطور الانتقالي المتداخل إلى أطوار فرعية.
السابعة: الحداثة عملية تجانس، "قد تقود" الضرورات الكلية للأفكار والمؤسسات الحديثة إلى مرحلة تكون فيها المجتمعات المتنوعة متجانسة، لكي تكون قادرة على تشكيل دولة عالمية.
الثامنة: الحداثة عملية مبرمة لا يمكن عكسها، وتلاحظ وجهة النظر هنا، أنه في الوقت الذي "قد يكون هناك توقف مؤقت" وتعطل من آن إلى آخر في عناصر عملية التحديث، فإن أي مجتمع بلغ مستويات معينة من الحضرنة والتعليم والتصنيع في عقد واحد، لن ينحدر إلى مستويات أدنى في العقد الذي يليه.
التاسعة: الحداثة عملية تقدمية: فالجراح التي تسببها الحداثة كثيرة وعميقة، ولكن التحديث في نهاية المطاف ليس أمراً لا مناص منه فحسب، بل أمر مرغوب فيه. ولأن الحداثة عملية تقدمية، فهي بهذا المعنى تعزيز لسعادة الإنسان حضارياً ومعنوياً ومادياً على المدى البعيد.
لا تتوقف مزايا الحداثة على ما تبيّناه، فثمة في احتدام المساجلات الفكرية والفلسفية في الغرب، ما يتعدى هذه التوصيفات النمطية. والمآلات التي ولّدتها مسارات الحداثة في تجليها التاريخي وفي تحيّزاتها الواقعية، تصرف المفهوم عن عقلانيتها الصارمة، مثلما تزرع سيلاً من الشك حول مزاعمها الأخلاقية.
 الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
                    
                        الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
 معنى (رعد) في القرآن الكريم
                    
                        معنى (رعد) في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ حسن المصطفوي
 نوازع وميول الأخلاقيات
                    
                        نوازع وميول الأخلاقيات                    
                    
                        الشيخ شفيق جرادي
 حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)                    
                    
                        محمود حيدر
 المذهب التربوي الإنساني
                    
                        المذهب التربوي الإنساني                    
                    
                        الشهيد مرتضى مطهري
 دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها
                    
                        دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها                    
                    
                        عدنان الحاجي
 الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
                    
                        الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول                    
                    
                        الشيخ جعفر السبحاني
 أصول التعامل الناجح مع الوالدين
                    
                        أصول التعامل الناجح مع الوالدين                    
                    
                        السيد عباس نور الدين
 {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
                    
                        {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟                    
                    
                        الشيخ محمد صنقور
 أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
                    
                        أَمَرْنا مُتْرَفِيها!                    
                    
                        الشيخ محمد جواد مغنية
 اطمئنان
                    
                        اطمئنان                    
                    
                        حبيب المعاتيق
 الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
                    
                        الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين                    
                    
                        حسين حسن آل جامع
 أيقونة في ذرى العرش
                    
                        أيقونة في ذرى العرش                    
                    
                        فريد عبد الله النمر
 سأحمل للإنسان لهفته
                    
                        سأحمل للإنسان لهفته                    
                    
                        عبدالله طاهر المعيبد
 خارطةُ الحَنين
                    
                        خارطةُ الحَنين                    
                    
                        ناجي حرابة
 هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
                    
                        هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال                    
                    
                        أحمد الرويعي
 وقف الزّمان
                    
                        وقف الزّمان                    
                    
                        حسين آل سهوان
 سجود القيد في محراب العشق
                    
                        سجود القيد في محراب العشق                    
                    
                        أسمهان آل تراب
 رَجْعٌ على جدار القصر
                    
                        رَجْعٌ على جدار القصر                    
                    
                        أحمد الماجد
 خذني
                    
                        خذني                    
                    
                        علي النمر
 
                    
                        الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
 
                    
                        معنى (رعد) في القرآن الكريم
 
                    
                        نوازع وميول الأخلاقيات
 
                    
                        حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (1)
 
                    
                        المذهب التربوي الإنساني
 
                    
                        دماغ كلّ منّا لا يتحدث اللّغة العصبيّة نفسها، لكنّه يشترك مع أدمغة النّاس في إدراك المدخلات الحّسيّة وتفسيرها
 
                    
                        أحمد آل سعيد: لا للتّنمّر بين الأطفال
 
                    
                        اطمئنان
 
                    
                        حقيقة التوكّل
 
                    
                        الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول