قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

دائرة اتّحاد الثقلين


الشيخ جوادي آملي ..

بعد بيان الارتباط الوثيق بين القرآن والعترة وتوضيح مرجعيّة القرآن الكريم يجب أن تُبيَّن مدى استقلاليّة القرآن والحديث ودرجة اتّحادهما وترابطهما.
بناء على البحوث المذكورة في الفصول السابقة فإن القرآن الكريم مستقلّ في ثلاث جهات:
1. في أصل الحجيّة؛ لأنّ القرآن هو المعجزة الإلٰهيّة الّتي تعدّ حجيّتها ذاتيّة وهو من ناحية السند قطعيّ وغير محتاج إلى الغير. بالطبع إنّ المراد من الذاتي هنا هو الذاتي النسبيّ وإلاّ فإنّ الحجّة الذاتيّة هي المبدأ الأوّل.
2. في دلالة ظواهر الألفاظ؛ لأنّ تبعيّة القرآن للأحاديث المرويّة عن المعصومين(ع) في هذا المجال (على النحو الّذي يزعمهُ الإخباريّون) مستلزم للدور المحال. وعليه فإنّ ما يستفاد من ألفاظ القرآن سواء كان نصّاً أم ظهوراً فهو حجّة مستقلّة، وإن كان المستفاد من الظهور أمراً ظنيّاً غير قطعيّ.
3. في تقديم الخطوط الأصليّة والعامّة للدين؛ إذاً فالقرآن في جميع شؤونه مستقلّ وليس تابعاً لغيره، لكن حيث إنّ الدين، في بيان حكمه الأخير، تابع للقرآن ولسُنّة المعصومين أيضاً لذلك ففي دائرة (بيان الدين الصالح للعقيدة والعمل) فإنّ القرآن والسنّة غير قابلين للافتراق، بهذا النحو وهو أن يكون القرآن مسؤولاً عن بيان الخطوط الكليّة للدين والسُنّة مسؤولة عن بيان (حدود وجزئيّات وتفاصيل الأحكام).
وأمّا الروايات فتنقسم إلى مجموعتين: أحداهما الروايات الظنيّة الصدور والأخرى هي الروايات القطعيّة الصدور، أمّا الروايات الّتي هي ظنيّة الصدور من المعصومين(ع) أي «السنّة غير القطعيّة» فهي تابعة للقرآن في السند وفي الدلالة أيضاً، أمّا في السند فلأجل أنّ القرآن الكريم لمن لم تثبت له نبوّة الرسول الأكرم بمعجزة أخرى غير القرآن هو المستند المباشر لاعتبار كلام النبيّ الأكرم(ص) والمستند غير المباشر (أي مع الواسطة) لاعتبار كلام العترة الطاهرين(ع)، وأمّا في الدلالة فلأجل أنّ حجيّة مضامين الأحاديث غير القطعيّة رهن عدم مخالفتها للقرآن الكريم وأمّا عرض الروايات غير القطعيّة على القرآن فهو من أجل تمييز الحجّة عن غير الحجّة والصدق من الكذب والحق من الباطل.
وأمّا الأحاديث القطعيّة الصدور فهي مرتبطة بالقرآن من جهة السند فقط، أي في أصل الحجيّة (لا السند في الإصطلاح الرجالي) بالنسبة لمن لم تثبت له نبوّة الرسول الأكرم عن طريق معجزة أخرى غير القرآن، وبعد إثبات أصل حُجيّتها بواسطة القرآن فهي في جميع الشؤون عِدل للقرآن الكريم، أي هي في طول القرآن الكريم حجّة مستقلّة غير منحصرة، فهي مِثل القرآن في أنَّ مضمونها حجّة وفي نفس مستوى القرآن هي ميزان لتقييم السُنّة غير القطعيّة. ولذلك فإنّ أحاديث العرض على الكتاب تعتبر السُنّة القطعيّة مثل القرآن ميزاناً لتقييم السُنّة غير القطعيّة.
والنتيجة هي،
أوّلاً، إنّ الثقلين لن يفترق أحدهما عن الآخر أبداً، بل هما متّحدان، وهما معاً يشكّلان حجّة إلهيّة واحدة، غاية الأمر أنّ أحدهما أصل والآخر فرع، وأحدهما نصّ والآخر شرح «القرآن والعترة لا هما مفترقان ولا أحدهما في عرض الآخر» فالدين إذن تابع للقرآن وللسنّة أيضاً، في بيان حكمه النهائيّ والأخير.
ثانياً: لايحتاج القرآن الكريم إلى غيره (أي الأحاديث) لا في مجال السند ولا في مجال حجيّة الظواهر ولا في مجال تقديم الخطوط العامّة للدين، فهو مستقلّ إذن حدوثاً وبقاءً، وهو يُعدّ الثقَل الأكبر بالنسبة إلى الروايات الّتي تعتبر تابعة للقرآن حدوثاً وبقاءً، لأنّ المقصود من الإستقلال هو الاستقلال النسبيّ وليس النفسيّ. وبناءً على هذا فإنّ الاعتماد على الأصول العقلائيّة في فهم معاني ألفاظ القرآن الكريم لا يتنافى مع استقلال القرآن في الحجيّة والدلالة.
ثالثاً: إنّ دائرة تبعيّة الروايات للقرآن تشمل جهة اعتبار السند (سواء كان في السنّة القطعيّة أو السنّة غير القطعيّة)، وأيضاً جهة اعتبار المتن (في خصوص السنّة غير القطعيّة). لكن بعد إحراز أصل اعتبار وحجيّة السُنّة بواسطة القرآن، فالسُنّة تعتبر أيضاً حجّة مستقلّة غير منحصرة مساوية للقرآن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد