الشيخ عبد الله جوادي آملي ..
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِي مَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾(1).
بحث تفسيري
تتلخّص المباحث التفسيريّة للآيات الآنفة الذكر، التي تستنطق سيرة النبيّ إبراهيم - عليه السلام - بعدّة محاور:
1 - احتجاج ومناظرة أهل الكتاب.
2 - عدم وجود الارتباط بين إبراهيم - عليه السلام - واليهود والنصارى.
3 - أصل وأساس دين إبراهيم الخليل سلام الله عليه.
4 - استدلال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - بالآية فيما يتعلّق بمسألة الخلافة.
احتجاج أهل الكتاب
بما أنّ النبيَّ إبراهيم - عليه السلام - يُذكر بكلّ عظمةٍ في الكتب السماويّة، وبين أتباع الأديان الإلهيّة كذلك، فإنّ كلاّ من اليهود والنصارى عدّوه - عليه السلام - منهم، ووصفوه بأنّه مسيحيّ أو يهوديّ، وذهبوا في ذلك إلى مرحلة المحاججة والمناظرة.
محور الاحتجاج
المستفاد من ظاهر الآية: أنّهم كانوا يحاجّون على أمرٍ غير معقول! فهل ذلك كان بسبب ما تقوله اليهود: إنّ النبيّ إبراهيم - عليه السلام - كان يعمل بشريعة موسى، أم لما تقوله المسيحيّة من أنّه - عليه السلام - كان يعمل طبقاً لدين عيسى؟!
من المستبعد أنْ يحصل مثل هذا الاحتجاج؛ لأنّه من الواضح جداً أنّه - عليه السلام - سبق موسى وعيسى، وعاش قبل هذين النبيّين - عليهما السلام - بعدة قرون، إذن كيف يمكن أنْ يتّبع ديناً لم يأتِ بعد؟!
قبل البدء بالبحث حول محور احتجاج أهل الكتاب يجب أنْ نعلم أنّ احتجاجهم كان حول دين النبيّ إبراهيم - عليه السلام - وشريعته الخاصّة، ولم يكن حول أصل نبوّته أو رسالته أو جهاده، ويجب أنْ نعلم أيضاً أنّهم عندما كانوا يقولون فكان إبراهيم يدين بديننا.
كان مرادهم أنّ ديننا استمرارٌ لطريق إبراهيم ونحن ورثته عليه السلام؛ لأنّه - كما بيّنا ذلك آنفاً - ليس من المعقول أنْ يقول قائل: إنّ إبراهيم الذي عاش قبل عدّة قرون من نزول التوراة والإنجيل عمل وفقاً لذينك الكتابين اللذين شُرِّعا بعده، وكان يعمل وفقاً لهماً، وإنْ كان لا يستبعد القول: إنّه - عليه السلام - كان عالماً بالشريعة اللاحقة وله اطّلاع بها.
رأي العلاّمة الطباطبائي (قدس سره)
يمكن تلخيص رأي المرحوم الأستاذ العلاّمة الطباطبائي في عدّة نقاط:
1 - أنّ هذه المناظرة كانت محصورة بين اليهود والنصارى فقط.
2 - أنّ اليهود والنصارى احتجّوا بنوعين من المحاجّة والمناظرة:
أ- استدلال علمي ومنطقي؛ حيث إنّ القرآن الكريم يقول بصحّة مثل هذه المحاجّة والاستدلال.
ب - احتجاجٌ غير عقلائي واستدلالٌ غير منطقي.
أسلوب الاحتجاج العلمي لليهود والنصارى
كان النصارى يقولون لليهود الذين يدّعون أنّ دينهم وكتابهم أبدي ولا سبيل إلى نسخِهِ: لقد نُسِخَتِ التوراة بنزول الإنجيل الذي يبيّن شريعة عيسى عليه السلام، ويجب على أتباع الدين السابق الإيمان بالدين اللاحق، ويعدوه دينهم الحقّ هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ عيسى النبيّ كان طاهراً، وأنْ مريم - عليها السلام - سيدة طاهرة وعفيفة. وبالمقابل فإنّ اليهود خاطبوا النصارى بقولهم: أنتم على باطل؛ لاعتقادكم بالتثليث، وقولكم المسيح ابن الله.
الاحتجاج غير العقلائي والاستدلال غير المنطقي
أنّ المناظرة غير العقلائيّة لكلّ منهم تتمثّل بقولهم: أنّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - منّا؛ ولذا من البديهي أنْ يكون ذم القرآن وتوبيخه لهم في هذا المحور فقط؛ لأنّ مثل هذه المناظرة لا تستند إلى برهان عقلي، ولا يوجد أيضاً في كتابهم السماوي حديث بهذا الخصوص، لكي تستند مناظراتهم إلى الوحي، يقول القرآن الكريم بهذا الخصوص: ﴿إئتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(2).
أمّا كون المسلمين يعدّون النبيّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - منهم، فلأنّهم يستندون في ذلك على القرآن الكريم الذي بيّن قصّته - عليه السلام - وقصّة أتباعه.
وبناءً على ذلك، فلِمَ تحاجّون وتناقشون فيما ليس لكم به علم واطّلاع، وهذه كتبكم لا تحتوي على مطلبٍ حول النبيّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - يدلّ على ارتباطه بكم؟!(3)
تحليل مقولة الميزان
إن حديث المرحوم الأستاذ العلاّمة الطباطبائي مقابل غيره من المفسّرين وإن كان عميقاً وقابلاً للمناقشة والتأمّل، ولكن من الصعب أوّلاً: إثبات أنّ احتجاجهم كان محصوراً بينهم، وأنّ ذلك يستفاد من ظاهر الآية. وثانياً: أن قوله: (إنّ اليهوديّة أقامت الحجّة العلميّة على المسيحيّة)، يمكن أنْ يكون تامّاً ومحلّ ثناء وتقدير لو كانت الحجّة في غير محور الثقلين، ونبوّة السيّد المسيح عليه السلام؛ لأنّه بامكان المسيحيّة أيضاً إقامة الحجّة على اليهود حول قولهم: إنّ عزيز ابن الله ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْزٌ ابْنُ اللهِ﴾(4)، وبناءً على ذلك فإنّ الطائفة المبتلاة بالشرك لا يمكنها محاججة الطرف المقابل في موضوع الشرك.
ولكن احتجاج المسيحيّة على اليهود المستند إلى نسخ الكتاب السابق بواسطة الكتاب اللاحق احتجاج حقّ وصحيح.
1- آل عمران: 65 - 68.
2- الأحقاف: 4.
3- الميزان 3: 276.
4- التوبة: 30.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع