قرآنيات

القسط


الشيخ حسن المصطفوي

قسَط قِسطاً وقسوطاً: جار وعدل أيضاً، فهو من الأضداد. وأقسط: عدل، والاسم القِسط. والقسط: الحصّة والنصيب، يقال أخذ كلّ واحد من الشركاء قسطه، والجمع أقساط. ومن أسماء الله تعالى الحسنى المُقسط، وهو العادل. والقِسط من المصادر الموصوف بها كـ«عدل»، يقال: ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط. والقاسطون أهل صفّين لأنّهم جاروا وبغوا.
(عن المصباح للفيومي، ولسان العرب لابن منظور)

الأصل المشترك
والتحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو إيصال شيء إلى مورده وإيفاء الحقّ إلى محلّه. وهذا المعنى إنّما يتحقّق في مقام إجراء العدل وإعماله في الخارج.
ومن مصاديقه: إيصال النفقة وتفريقها على العيال. وتقسيم الحصص. وتقسيم المال بين الشركاء. وتجزئة الخراج، وهذه الموارد إذا كانت عدلاً وحقًّا يعبّر عنها بالعدل. وإلَّا فيعبّر عنها بالجور والانحراف عن الحقّ والعدول عنه.

موارد المصطلح في القرآن الكريم
* القِسط: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ..﴾ الأعراف:29. ﴿..كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ..﴾ النساء:135. ﴿..وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ..﴾ النساء:127، يراد إقامة التقسّط الصحيح.
* أقسط: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ..﴾ الأحزاب:5. ﴿..وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوه صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِه ِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ..﴾ البقرة:282، يراد: إنّ هذا من جهة إيفاء الحقّ إلى صاحبه وإيصاله إلى مورده أحقّ وأحسن.
* المقسط: ﴿..وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ المائدة:42. ﴿..فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات:9، بأن يكون الإصلاح والحكم مع حفظ مفهوم التقسيط، أي إيفاء الحقوق وإيصال ما لهم عليهم حتّى ينتفي الجور والظلم وتضييع الحقوق.
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ..﴾ النساء:3، أي إذا حضرت يتيمة ذات مال وجمال، ولم تطمئنّ نفوسكم بتقسيط مالها وحقّها، وخفتم الجور عليها وتضييع مالها والأكل منه، فعليكم بالانصراف عنها وتزويج ما طاب لكم من حيث الاطمئنان بالتقسيط وإيفاء الحقوق ونفي الإضرار.
* القاسط: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ الجن:14-15، القاسط في هذا المورد واقع في قبال المسلم، والمسلم من أسلم لربّه وفوّض أمره اليه ورضي بحكمه وقضائه وتقديره وعدله وتقسيطه، فإنّ مرتبة التسليم الحقّ فوق مراتب التفويض والرضا، والتعلّق بتقسيط ماله من الأموال والحقوق على نفسه هو مرتبة شديدة من التعلَّق بالدنيا والنفس، فهو متوجّه ومحبّ لنفسه وماله في مقابل التوجّه والمحبّة لله عزّ وجلّ.
فالتقسيط في الآية الكريمة مستعمل في معناه الحقيقيّ، إلَّا أنّه لمّا ذكر في قبال التسليم يستفاد منه مفهوم الانحراف والعدول عن الحقّ والاعوجاج والجور.
وأمّا المقسط من الأسماء الحسنى: فإنّ الله عزّ وجلّ بعلمه وقدرته وعدله وإحاطته ونفوذه التامّ، يقسط الأرزاق وما يحتاج اليه كلّ موجود عليها، بحيث يوفي كلّ شيء بحقّه، ولا يحرم شيء عن حقّه، فهو المقسط على كلّ شيء، من جماد، أو نبات، أو حيوان، أو إنسان، أو من العوالم العلويّة، فلا يغفل عن شيء وعن حقّه.
وأمّا القسطاس: فهذه الكلمة مأخوذة من اللغة اليونانيّة والسريانيّة ويؤيّدها لحوق حرف السين بآخر الكلمة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد