الشيخ جعفر السبحاني
لقد حلف سبحانه بأوصاف الملائكة، وقال:
أ: ﴿وَالمُرسَلاتِ عُرْفاً﴾.
ب: ﴿فَالعاصِفاتِعَصْفاً﴾.
ج: ﴿وَالنّاشِراتِ نَشْراً﴾.
د: ﴿فَالفارِقاتِ فَرْقاً﴾.
هـ: ﴿فَالْمُلْقِيات ِذِكراً * عُذْراً أو نُذْراً * إِنَّما تُوعَدونَ لَواقعٌ﴾. (1)
حلف سبحانه في هذه الآيات بأُمور يعبّر عنها بـ:"المرسلات، فالعاصفات، والناشرات، فالفارقات، فالملقيات ذكراً عذراً أو نذراً".
وقد اختلفت كلمة المفسّرين في تفسير هذه الأقسام، وقد غلب عليهم تفسيرها بالرياح المرسلة العاصفة الناشرة، بيد أنّ وحدة السياق تبعثنا إلى تفسيرها بأمر واحد تنطبق عليه هذه الصفات، فنقول:
1. ﴿المُرْسَلاتِ عُرفاً﴾ أي أقسم بالجماعات المرسلات من ملائكة الوحي، والعرف -بالضم فالسكون- الشعر الثابت على عنق الفرس ويشبه به الأمور إذا تتابعت يقال جاءُوك كعرف الفرس، يقول سبحانه: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ (2)، ومع ذلك فقد فسر بالرياح المرسلة المتتابعة.
2.﴿فَالعاصِفاتِ عَصْفاً﴾ والعصف هو سرعة السير، والريح العاصفة بمعنى سرعة هبوبها، والمراد أقسم بالملائكة الذين يرسلون متتابعين فيسرعون في سيرهم كالرياح العاصفة.
ومع ذلك فسر بالرياح الشديدة الهبوب.
3. ﴿وَالنّاشِراتِ نَشْراً﴾ قسم آخر، والمراد نشر الصحيفة والكتاب، والمعنى أقسم بالملائكة الناشرين للصحف المكتوب عليها الوحي للنبي ليتلقاه، ومع ذلك فقد فسّرت بالرياح التي تنشر السحاب نشراً للغيث كما تلقحه للمطر.
4. ﴿فَالفارِقات فَرقاً﴾ المراد به الملائكة الذين يفرقون بين الحقّ والباطل والحلال والحرام، وذلك لأجل حمل الوحي المتكفّل ببيان الحقّ والباطل ومع ذلك فقد فسّر بالرياح التي تفرق بين السحاب فتبدّده.
5. ﴿فَالْمُلْقياتِ ذِكراً﴾ المراد به الملائكة، تلقي الذكر على الأنبياء وتلقيه الأنبياء إلى الأمم.
وعلى ذلك فالمراد بالذكر هو القرآن يقرأونه على النبي، أو مطلق الوحي النازل على الأنبياء المتلو عليهم.
ثمّ يبّن أنّ الغاية من إلقاء الوحي أحد الأمرين إمّا الاإعذار أو الإنذار، والإعذار الإتيان بما يصير به معذوراً، والمعنى أنّه يلقون الذكر لتكون عذراً لعباده الموؤمنين بالذكر وتخصيصاً لغيرهم.
وبعبارة أُخرى يلقون الذكر ليكون إتماماً للحجة على المكذبين وتخويفاً لغيرهم، هذا هو الظاهر من الآيات.
وأمّا المقسم عليه فهو قوله: ﴿إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِع﴾ وما موصولة والخطاب لعامة البشر، والمراد إنّما توعدون يوم القيامة بما فيه من العقاب والثواب أمر قطعي وواقع وإنّما عبر بواقع دون كائن، لأنّه أبلغ في التحقّق.
ثمّ إنّ الصلة بين المقسم به والمقسم عليه واضحة، لأنّ أهم ما تحمله الملائكة وتلقيه هو الدعوة إلى الإيمان بالبعث والنشور، ويؤيد ذلك قوله ﴿عذراً أو نذراً﴾ أي إتماماً للحجة على الكفار وتخويفاً للمؤمنين كل ذلك يدل على معاد قطعي الوقوع يحتج به على الكافر ويجزي به المؤمن.
وهناك بيان للعلاّمة الطباطبائي، حيث يقول: من لطيف صنعة البيان في هذه الآيات الست أنّها مع ما تتضمن الإقسام لتأكيد الخبر الذي في الجواب تتضمن الحجة على مضمون الجواب وهو وقوع الجزاء الموعود، فإنّ التدبير الربوبي الذي يشير إليه القسم، أعني: إرسال المرسلات العاصفات ونشرها الصحف وفرقها وإلقاءها الذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدبير لا يتم إلاّمع وجود التكليف الإلهي والتكليف لا يتم إلاّمع تحتم وجود يوم معه للجزاء يجازي فيه العاصي والمطيع من المكلفين.
فالذي أقسم تعالى به من التدبير لتأكيد وقوع الجزاء الموعود هو بعينه حجّة على وقوعه كأنّه قيل: أقسم بهذه الحجّة إنّ مدلولها واقع.(3)
________________________________________
1- المرسلات:1 ـ 7.
2- النحل:2.
3- الميزان:20|147.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة