قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

الشُّحّ

 

الشيخ حسن المصطفوي
في (مصباح اللغة) للفيومي: «الشُّحّ: البخل، وَشَحَّ يَشُحُّ من باب قتل (أي على وزن قَتَلَ يقتُلُ)، وفي لغةٍ من بابَي ضَرَبَ وَتَعِبَ. فهو شحيح، وقومٌ أشحّاء وأشحّة، وتشاحّ القوم: إذا شحّ بعضُهم على بعض».
وفي (مقاييس اللغة) لابن فارس: «شحّ: الأصلُ فيه المنع، ثمّ يكون منعاً مع حرص. من ذلك الشحّ وهو البخل مع حرص. ويقال تشاحّ الرجلان على الأمر، إذا أراد كلّ واحد منهما الفوز به ومنعه من صاحبه. والزّند الشّحاح: الَّذي لا يُوري. ويقولون للمواظب على الشيء شَحْشَحَ، ولا يكون مواظبته عليه إلَّا شُحّاً به. ويقولون للغيور شَحْشَح، وهو ذاك القياس، لأنّه إذا غار منع».
وفي (الفروق اللّغوية) لأبي هلال العسكري: «الفرقُ بين الشحّ والبخل: أنّ الشُّحَّ الحرصُ على منع الخير... والبخل منعُ الحقّ، فلا يُقال لمن يؤدّي حقوق الله تعالى، بخيل».
وفي (لسان العرب) لابن منظور: «الشُّحُّ والشَّحُّ: البُخل، والضمّ أعلى. وقيل هو البُخل مع الحرص، وهو أبلغ في المنع من البُخل. وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشحّ عامّ. وقيل البخل بالمال، والشحّ بالمال والمعروف. وشحَّ بالشيء وعليه يشحُّ. والشَّحْشَحُ والشَّحْشاحُ: المُمْسِكُ البخيل».


التحقيق
الأصل الواحد في هذه المادّة هو البخل الشديد الراسخ في القلب، ومن لوازم هذا المعنى كونه أبلغ، وأن يكون مع الحرص.
قال تعالى: ﴿..وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر:9. أي الَّذي يُصان عن الشحّ المكنون في نفسه هو المُفلح. وهذه الصفة إذا رسختْ وثبتتْ في القلب وغلبتْ على القوى تمنعُ النفس عن مطلق عمل الخير قولاً وفعلاً، بل تمنعُ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وتربية الناس وهدايتهم وإرشادهم، والإنفاق والإحسان والإعانة بأيّ صورة يمكنه، والخدمة لهم.
وقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا..﴾ النساء:128. أي: وقُوربت الأنفس بالشحّ ومُوزجت به، فيصعبُ عليها الإحسان والعمل بالمعروف والصلاح والخير أزيد ممّا هي عليه. فدفعُ الشُّحّ والعمل بالخير والصلاح هو طريقُ الفلاح.
وقال سبحانه: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ..﴾ الأحزاب:19.
فالشحّ: حالة طبيعيّة وصفة باطنيّة لهم [أي للمنافقين كما يفيد سياق آيات سورة الأحزاب]، يظهر منهم قبل مجيء الخوف وبعد زواله، وهو نتيجة حبّ النفس وحبّ الحياة الدنيا، فيجمع المال للحياة الدنيا، ولا يطلب في أعماله إلَّا تعظيم نفسه، فيمنع الخير وإجراءه...
وفي الآية إشارة إلى أنّ شُحَّهم في المرتبة الأولى على جماعة المسلمين؛ وفي خصوص قدرتهم وقوّتهم ونفوذهم ووُسعهم، وإنّهم يمنعون هذه البسطة عنهم وهم حريصون عليها، ثمّ إذا جاءهم الخوف يتوجّهون إليهم ويتوسّلون بهم ليدفعوا عنهم الشرّ، ثمّ إذا ارتفع الخوف سَلَقوهم – أي بالغوا في إيذاء المؤمنين بكلامهم - وأظهروا شُحَّهم عليهم، ومنعوا كلَّ خَيْرٍ عنهم.
فالمرتبة الأولى أشدّ وأقوى، وهي مبتدأ الثانية، كما أنّ مبدأ الأولى أيضاً هو حبّ النفس من حيث هو، وهذا هو الشِّرك.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد